إلى العالم أجمع، وإلى المنظمات والهيئات الدولية، ومنظمات الأمم المتحدة التي التزمت الصمت تجاه مناشدة اتحاد المحامين الكورد المؤرخة في 23 تموز 2025
557631988_122153543582772273_3674755124921160538_n
آخرون يقرأون الآن

لقد وجّه الاتحاد في حينه نداءً استباقياً يحذّر فيه من الكارثة الإنسانية التي قد يتعرض لها الشعب الكوردي في غرب كوردستان وسوريا، من مجازر وعمليات إبادة محتملة.

واليوم، ومع تصاعد هجمات تلك الجماعات، واستمرار الحصار والهجوم على المدنيين في حيي الشيخ مقصود والأشرفية، أصبحت مخاوفنا واقعاً ملموساً.

فإلى متى يستمر هذا الصمت؟ ومتى تتحرك ضمائركم أمام ما يجري؟

نرفق لكم نص المناشدة التي احتفظنا بها دون نشرها في حينه، لتكون شاهداً على نداءٍ لم يُستجَب له.

إلى:

الأمين العام للأمم المتحدة

مجلس الأمن الدولي

المفوض السامي لحقوق الإنسان

الاتحاد الأوروبي

حكومات الدول الفاعلة في الملف السوري

المنظمات الحقوقية الدولية المستقلة

“حين يتحول الإفلات من العقاب إلى نظام حُكم، يصبح الاستئصال سياسة رسمية، لا مجرد خطر”

السيدات والسادة المحترمون،

نحن ما يزيد عن ستين محاميةً ومحاميّاً في اتحاد المحامين الكورد، إذ نتابع التحوّلات الأخيرة في المشهد السوري، نحمّل المجتمع الدولي مسؤوليته كاملةً تجاه ما نعتبره خطراً وشيكاً على الوجود الكوردي في سوريا (كواقع سياسي فرض انتماءنا اليها كدولة) ، في ظل سلطة الأمر الواقع التي فرضت نفسها بقيادة أحمد الشرع (أبو محمد الجولاني)، والتي باتت تتحكم بمصير البلاد وشعوبها بعقليةٍ أحاديةٍ مغلقة.

هذه السلطة لا تُبدي أي نية لبناء دولة سورية لجميع السوريين، بل تسير بمنهجية إقصائية وفئوية، بعيدة كل البعد عن فكر الدولة ومرتكزاتها، وتشبه، بل تتجاوز ما مارسته السلطة السابقة بقيادة بشار الأسد وسلطة والده قبله، داعمةً القومية الضيقة بالهيمنة الدينية، ومازجةً الاستبداد السياسي بالعقائدي المسلح.

إن هذه السلطة، منذ لحظة ظهورها، اعتمدت نهجاً متسلسلاً ومنظماً في استهداف المكونات السورية:

فاستُهدفت مناطق العلويين في الساحل بذريعة “ملاحقة فلول النظام”، وتم إطلاق موجة إعلامية وتحريضية تخلط بين النظام السياسي المنهار ومجتمع بأكمله، بما مهد لاعتداءات مباشرة على مدنيين وارتكاب مجازر كثيرة وخطيرة وموثّقة هناك، وخلق بيئة طاردة لأبسط مظاهر الانتماء المذهبي أو الجغرافي.

ثم انتقلت الحملة إلى عموم مناطق السويداء وجبل الدروز، عبر تسويق ملف مفبرك عن “البدو”، واتهامات مصطنعة حول دعم الإرهاب والخيانة والانفصال، ما فتح الباب لتكفير وتشويه صورة الدروز كمكوّن وشرعنة العدوان ضدهم.

المسيحيون بدورهم تعرضوا لاضطهاد صامت ومتدرّج، من تضييق على الكنائس ومراقبة للأنشطة المجتمعية، وحرمان من التمثيل المدني أو السياسي، بما يخنق وجودهم ويُحوّلهم إلى رهائن تحت سقف الصمت أو التهجير.

أما الشعب الكوردي بوصفه القومية الأصيلة الثانية في البلاد، فهو هدفٌ معلنٌ ومؤجل.

فالكورد لم يهاجروا إلى سوريا، بل هم يعيشون على أرضهم التاريخية منذ آلاف السنين.

ومنذ عقود، يُواجهون سياسات التهميش والإنكار. واليوم، يُنظر إليهم من قبل هذه السلطة بوصفهم “الخطر الأكبر” فقط لأنهم يمتلكون مشروعاً ديمقراطياً، وكياناً سياسياً، وقوة تنظيمية تحصّنهم من الاجتثاث السهل.

إن ما يؤجل الهجوم المباشر عليهم هو ميزان القوى، لا غياب النيّة.

والكراهية ضدهم حاضرة في أدبيات هذه السلطة، واعلامها وخطبها، ومنابرها، وتحالفاتها.

وليس خافياً على أحد، أن الدولة التركية تمثل طرفاً مباشراً في دعم وتمكين هذه السياسات، عبر تمويل فصائل دينية وعسكرية تمارس منذ سنوات أبشع الانتهاكات في عفرين وسري كانيه وگري سبي، ضمن مخطط تغيير ديمغرافي وقومي منهجي، لم يلقَ أي محاسبة أممية حتى الآن.

هذه الانتهاكات، وثّقتها منظمات دولية مستقلة، وتتراوح بين التهجير القسري والاعتقال على الهوية و القتل والاعتقال والتعذيب ومصادرة الممتلكات وفرض الدين الواحد وإهانة الرموز القومية والثقافية وجرائم جنسية موثّقة.

ومع ذلك، لم تُفتح أي قضية محاسبة واحدة، لا بل كافأت السلطة الحالية في سوريا، أولئك المجرمين وعينت بعض قادة تلك الفصائل ضباطاً كباراً ذوي سلطة وشأن في الجيش، ولم يتم إيفاد أي لجنة تقصٍ أممية مستقلة.

إن استمرار الصمت الدولي أمام هذا النموذج من الحكم، يمنحه شرعية ضمنية، ويحوّله إلى “نموذج ممكن” لسوريا، وهو ما يُنذر بكارثة أخلاقية وقانونية وإنسانية كبرى.

عليه، نطالب بما يلي:

– رفض الاعتراف بأي سلطة تنتهج الإقصاء والهندسة السكانية والدينية، وحرمانها من الشرعية السياسية والدولية.

– فتح تحقيق دولي محايد وشفاف بشأن الانتهاكات الجسيمة التي ارتُكبت بحق العلويين والدروز والمسيحيين والكورد وغيرهم، سواء من هذه السلطة أو من حلفائها.

– إرسال مراقبين دوليين لحماية المناطق الكوردية والمكونات الأخرى المهددة، ومنع أي تدخل عسكري أو تغيير ديمغرافي جديد.

– إدراج القضية الكوردية بنداً ثابتاً في أي مفاوضات أو صيغ حل، بوصفها قضية حقوق شعب أصيل، لا مجرد “مكوّن” طارئ، ورفض اي تسوية سياسية في سوريا، لا تتضمن اعترافاً دستورياً صريحاً بحقوق الشعب الكوردي وهويته القومية وحقوقه القانونية والثقافية.

– تحميل تركيا كامل المسؤولية القانونية عن رعاية وتوجيه الانتهاكات الجارية، ومساءلتها وفق القانون الدولي.

ختاماً:

لسنا هنا للدفاع عن فئة على حساب أخرى، بل للدفاع عن فكرة المواطنة، وعن حق كل شعب في أن يُعبر عن نفسه دون خوف.

إذا سمح العالم باستمرار هذا النموذج، فسوريا القادمة لن تكون دولة، بل ساحة لتصفية الهويات.

وإن لم يكن الشعب الكوردي اليوم محميّاً بحقوقه، فسيُستهدف غداً بحقه في البقاء.

اتحاد المحامين الكورد

بون / ألمانيا ٢٣ تموز/يوليو ٢٠٢٥

#UN#international