
اتحاد المحامين الكورد
بيان إلى الرأي العام
يتابع اتحاد المحامين الكورد ببالغ القلق والانشغال التطورات المأساوية والمتسارعة التي تشهدها محافظة السويداء منذ ١٣ تموز/يوليو ٢٠٢٥والتي أسفرت عن سقوط عدد كبير من الضحايا، بينهم مدنيون وأطفال ونساء، فضلاً عن عناصر أمنية ومقاتلين، وسط مشاهد صادمة من العنف المفرط والتنكيل بالأهالي، وحرق الممتلكات، ونهب البيوت، وعمليات إعدام ميداني، وما رافق ذلك من موجات نزوح قسري وانهيار تام في بنية الحماية المدنية.
هذه الأحداث، وإن بدت محلية في مظهرها، فإنها تحمل دلالات عميقة على تفكك سلطة الدولة وتحلل مؤسساتها الضامنة للأمن والاستقرار، لصالح مقاربات فئوية وفصائلية ومذهبية تُدار بمنطق الغلبة لا بمنطق الدولة، ما ينذر بانزلاق البلاد نحو حرب أهلية مفتوحة في حال استمرار هذه المؤشرات وتجاهل تداعياتها الخطيرة.
ورغم الإعلان عن اتفاق لوقف إطلاق النار، فإن تجدّد الاشتباكات يؤكد هشاشة هذه التفاهمات، ويضع علامات استفهام حول مدى جدّية السلطة الجديدة في ممارسة مسؤولياتها الوطنية بحياد وشمولية وعدالة.
وفي هذا السياق أيضاً، ، يعرب اتحاد المحامين الكورد عن أسفه واستغرابه من التصريحات الأخيرة للمبعوث الأميركي السيد توماس باراك، والتي أبدى فيها دعمه الكامل للسلطة السورية الجديدة وثقته بها، الى جانب عبارات سلبية أخرى وردت على لسانه، تدخل من خلالها في شكل الدولة الأنسب ونظام الحكم فيها.
مثل هذه التصريحات، ورغم غلافها الدبلوماسي، شكّلت في مضمونها غطاءً سياسياً للاستمرار في السياسات الإقصائية والقمعية، واستُخدمت عملياً لتبرير الانتهاكات ومنحها شرعية زائفة.
ونذكّر السيد باراك بأن:
كلماتكم لم تُترجم إلى إصلاح، بل وُظِّفت كأداة تبرير للقمع والتنكيل بالمدنيين، خصوصاً في السويداء.
عموماً، ومنذ مجيء السلطة القائمة بحكم الأمر الواقع فإنها اعتمدت خطاباً إقصائياً وتحريضياً قائماً على العداء لكل من لا ينتمي إلى ايديولوجيتها السياسية أو مرجعيتها الفكرية والعقائدية، ما مهّد الطريق أمام انتهاكات متكرّرة ارتُكبت تحت ستار “ضبط الأمن” أو “المصالحة الوطنية”.
هذا النهج لم يقتصر على تجاهل الحقوق، بل تجاوز ذلك إلى تأجيج خطاب الكراهية والعنف المجتمعي، وتقسيم المواطنين بناءً على الانتماء الطائفي أو العرقي أو السياسي، في مخالفة صريحة لالتزامات الدولة بموجب القانون الدولي الإنساني ومبادئ المواطنة المتساوية، ما فتح المجال أمام استسهال الانتهاكات والتي السويداء والدروز فيها هم ضحيتها اليوم،بعد أن كان العلويون والساحل السوري، ضحاياها في الأمس غير البعيد.
إن ذات السياسات والنهج قد يُعمّمان على باقي المناطق، بما فيها المناطق الكوردية، ما لم يتم تدارك المسار ووقف التدهور.
لا تزال في المقابل، مناطق عفرين، سري كانيه، وكري سبي تعاني من انتهاكات جسيمة ترتكبها تركيا والمجموعات المسلحة التابعة لها، تشمل:
التهجير القسري والتغيير الديموغرافي والاعتقالات التعسفية ومصادرة الممتلكات والتعذيب والقتل والحرمان من الحقوق الاساسية.
ورغم مرور فترة طويلة على توقيع الاتفاق المبدئي بين الجنرال مظلوم عبدي ورئيس سلطة الأمر الواقع أحمد الشرع، إلا أن هذا الاتفاق لا يزال حبراً على ورق، رغم أنه لا يلبّي الحد الأدنى من الحقوق الكوردية المشروعة، ما يدل على غياب إرادة سياسية حقيقية نحو حلول عادلة ومستدامة.
بناءً على ما سبق، يؤكد اتحاد المحامين الكورد أن ما يجري من انتهاكات منهجية ترقى إلى مستوى الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب، ويطالب بـ:
تشكيل لجان مستقلة ومحايدة لتوثيق الانتهاكات في جميع المناطق دون استثناء.
محاسبة كل من تورط، بشكل مباشر أو غير مباشر، سياسياً أو عسكريا، أو إعلامياً، في ارتكاب أو التغطية على هذه الجرائم.
وقف كل أشكال الدعم السياسي أو الدولي لأي جهة لا تفي بالتزاماتها الحقوقية، ولا تعترف بالشراكة الوطنية، خصوصًا تجاه القضية الكوردية ومكانتها في مستقبل سوريا.
دعوة الأمم المتحدة والمجتمع الدولي إلى تحمّل مسؤولياتهم القانونية والإنسانية، والعمل على توفير حماية دولية عاجلة للمدنيين، وخصوصاً في المناطق التي تشهد انهياراً أمنياً وانتهاكات ممنهجة.
إن ما نشهده اليوم ليس مجرد عجز قانوني أو مؤسساتي، بل يُنذر بـتواطؤ بالصمت وتآكل واضح لأسس الدولة الجامعة. ولا يمكن الحديث عن سلام دائم أو عدالة انتقالية حقيقية، ما لم يُوضع حدٌ للإفلات من العقاب، وتُصن حقوق جميع مكونات المجتمع السوري دون استثناء أو تمييز.
اتحاد المحامين الكورد
١٩ تموز/يوليو ٢٠٢٥




