
القوانين والمراسيم والتعليمات والتعاميم المتعلقة بتنظيم الأراضي الواقعة ضمن المناطق الحدودية
مقدمة:
لقد تعددت القوانين والمراسيم التشريعية المنظمة للمناطق الحدودية، ولكن للأسف كان الهدف منها واحداً، وهو استهداف الكورد، وذلك بالضغط عليهم ليهجروا أراضيهم ليحلّ محلهم آخرون من العرب، بهدف إجراء تغيير ديمغرافي وتطهير عرقي، وبالفعل هذا ما حدث، حيث ساعد هذا القانون على الهجرة الداخلية أو الخارجية.
سأبدأ بأصل القانون ومن ثم بالتعديلات التي جرت عليه:
القانون رقم ١٩٣ لعام ١٩٥٢ الخاص بتنظيم المناطق الحدودية:
صدر القانون رقم ١٩٣ لعام ١٩٥٢، وكان أول قانون جاء محدداً ومنظماً للمناطق الحدودية بعد الاستقلال، وذلك بناءً على مقترح من وزير العدل آنذاك، وبموافقة وزير الدفاع.
نص القانون، المادة (١):
عدم جواز إنشاء أي حق عيني عقاري على العقارات التي تقع ضمن المناطق الحدودية إلا بموجب ترخيص أمني (الموافقة الأمنية).
تعديلات المرسوم:
تم تعديل القانون بالمرسوم التشريعي رقم ٢٠٢٨ لعام ١٩٥٦، والذي جاء محدداً الأراضي المتاخمة لتركيا بعمق يصل إلى ٢٥ كم.
بقي هذا المرسوم ساري المفعول لغاية عام ١٩٦٢، حيث جرى تعديله بالمرسوم التشريعي رقم ١٣٦٠ لعام ١٩٦٢، الذي وسّع المناطق المشمولة بالقانون بحيث شملت محافظة الحسكة بكاملها، بالإضافة إلى مناطق وبلدات أخرى كثيرة وجميعها مناطق كوردية، بالإضافة إلى شموله العقارات المبنية الواقعة ضمن المخطط التنظيمي للبلدات، كما التي تقع خارج المناطق التنظيمية.
لقد جاء هذا المرسوم بعد استلام حزب البعث سدة الحكم في سورية، حيث قاموا:
١- تجريد (سحب) الجنسية السورية من مئات الآلاف من المواطنين الكورد.
٢- تطبيق ما كان يسمى بالحزام العربي.
(لقد سبق أن نشرت مقالاً خاصاً بالحزام العربي بشكل مفصل).
٣- تغيير أسماء القرى والمدن والبلدات الكوردية، ووضعوا بدلاً عنها أسماء عربية مثل (الحرية، الاشتراكي، فلسطين، يعربية، القحطانية، رأس العين…إلخ).
٤- مصادرة الأراضي من المواطنين الكورد وتسليمها للعرب الغمر، كما قاموا بممارسة كافة الضغوط بحق المواطنين الكورد الذين يسكنون في المناطق الحدودية، مثل حرمانهم من التعليم وفصل الطلاب من الجامعات حتى الذين وصلوا إلى السنوات الأخيرة في الدراسة، وكان آخرها أحداث ملعب القامشلي في عام ٢٠٠٤.
وقد ساعدت الحكومة بعض الكتّاب المتملقين الوصوليين، وعزفوا على وتر العنصرية والشوفينية، بحيث دأبوا على اتهام الكورد بأنهم انفصاليون، وأنهم يعملون على اقتطاع جزء من الأراضي السورية وضمها إلى تركيا، وكان خير مثال على هؤلاء (علي الشعيبي) الذي ألّف كتابين لا يقل عدد صفحات كل منهما عن ٦٠٠ صفحة مليئة بالألفاظ التي تحرّض على العنصرية والكراهية.
قام المحامون الكورد بالاحتجاج في مدينة الرقة، حيث نظموا تحركاً قانونياً تمثل في إرسال عريضة إلى جميع الجهات المعنية، بما فيها رئاسة الجمهورية، كما أقاموا دعوى قضائية ضد الكاتب علي الشعيبي، بسبب تأليفه كتابين يُحرّضان على العنصرية والكراهية ضد المكون الكوردي.
تعديل آخر:
منذ استلام البعث للحكم في البلاد، أصبح يتفنن في إلحاق الأذى بالمواطنين الكورد. وما زاد كرههم للكورد، أحداث ملعب القامشلي، وكسر الكورد لتماثيل حافظ الأسد.
وهنا جرى التعديل مرة أخرى، بالمرسوم التشريعي رقم ٤١ لعام ٢٠٠٤، الذي أصبح فضفاضاً بحيث يمكنه أن يطال المواطنين الكورد ولو كانوا بعمق ١٠٠ كم، كمدينة الرقة مثلاً. وسوف أذكر حادثة عملية جرت معي في معرض قيامي بعملي كمحامٍ.
ومن ثم التعديل الجديد بالمرسوم التشريعي رقم ٤٩ لعام ٢٠٠٨، والمعدّل بدوره بالمرسوم التشريعي رقم ٤١ لعام ٢٠١١.
المرسوم التشريعي رقم ٤٩ لعام ٢٠٠٨
كان هذا المرسوم بمثابة سيف قانوني لتقييد التملك العقاري في المناطق الحدودية.
صدر المرسوم التشريعي رقم ٤٩ بتاريخ ١٠ أيلول ٢٠٠٨، ويُعدّ من أخطر المراسيم العقارية في سوريا، إذ قيّد بشكل صارم عمليات التملك العقاري في المناطق الحدودية، وترك تأثيراً عميقاً على السكان، لا سيما في المناطق الكوردية.
أبرز أحكام المرسوم:
١- اشتراط أمني مُسبق:
حُظِر إنشاء أو نقل أو تعديل أو اكتساب أي حق عيني عقاري أو إشغال أي عقار في المناطق الحدودية، بالإيجار أو الاستثمار أو غيره لمدة تتجاوز ثلاث سنوات دون ترخيص أمني مسبق من وزارة الداخلية، التي تحيل الطلبات إلى الجهات الأمنية المختصة.
٢- توسّع غامض في التطبيق:
لم يُحدِّد المرسوم تعريفاً جغرافياً دقيقاً لـ “المناطق الحدودية”، مما سمح بتوسيع تطبيقه ليشمل مناطق بعيدة عن الحدود، كسهل الرقة وريف حلب.
٣- تمييز في التنفيذ:
عملياً، كانت الموافقات الأمنية تُمنح بسرعة عندما يكون المشتري عربياً، وتُرفَض عندما يكون المشتري كوردياً، ما أدى إلى شلل المعاملات العقارية في تلك المناطق.
٤- بطلان قانوني وعقوبات:
تُعدّ أي معاملة عقارية تُجرى دون هذا الترخيص باطلة قانوناً، ويُعرّض مرتكبوها للمساءلة.
تداعياته القانونية والسياسية:
– مثّل المرسوم أداة فعّالة في سياسة التغيير الديمغرافي المنهجي بحق الكورد، عبر حرمانهم من حقوق الملكية وتقييد انتقالها.
– تعرض مئات الآلاف من المواطنين الكورد لخسائر في ممتلكاتهم، وتوقفت عمليات البيع والشراء والتوريث بسبب الرفض الأمني.
– عدّ حقوقيون المرسوم خرقاً لحقوق الملكية والمساواة، ووسيلة لتكريس التمييز العرقي بقالب قانوني، وشهدت نقابة المحامين في حلب احتجاجاً من المحامين الكورد وتوقيع عريضة وإرسالها إلى القصر الجمهوري.
عفرين وكوباني: هدف مباشر للمرسوم.
١- رغم استكمال أعمال التحديد والتحرير العقاري في عموم سوريا، بقيت منطقتا عفرين وكوباني مستثنَيتين حتى أواسط التسعينات. ومع بدء فرق المساحة ( التحديد والتحرير) وثم إرسال السجلات العقارية إلى حلب عام ٢٠٠٠ لتسجيل الملكيات، جاء المرسوم ٤٩ ليُجهض هذا المسار، ويحوّل العقارات المتنازع عليها إلى ملك للدولة، دون أي مستند قانوني.
٢- كانت مديرية الزراعة والإصلاح الزراعي والحراج، ممثلةً بمحامي إدارة قضايا الدولة، تتدخل لطلب تسجيل الأراضي باسم الدولة، رغم عدم امتلاك الدولة لأي وثائق ملكية.
٣- محكمة الاستئناف المدنية السابعة بحلب، برئاسة القاضي عبدالكريم البني، لعبت دوراً محورياً في إصدار أحكام مبرمة بردّ الدعاوى شكلاً دون نظر في الموضوع، تنفيذاً لتوجيهات أمنية وسياسية.
تم تسجيل عقارات مزروعة منذ أكثر من ثمانين عاماً بأشجار الزيتون المثمرة، توارثتها الأسر الكوردية جيلاً بعد جيل، باسم الدولة، في انتهاك صارخ لحق الملكية الذي كان من المفترض أن يكون مصاناً وفق الدستور.
المرسوم التشريعي رقم ٤١ لعام ٢٠١١:
جاء هذا المرسوم معدّلاً للمراسيم التي سبقته، والخاص بتنظيم وتحديد الأراضي الواقعة ضمن المناطق الحدودية.
المادة (١):
لا يجوز إنشاء أو نقل أو تعديل أو اكتساب أي حق عيني عقاري على أرض كائنة في منطقة حدودية أو إشغالها عن طريق الاستئجار أو الاستثمار أو بأية طريقة كانت لمدة تزيد على ثلاث سنوات، لاسم أو لمنفعة شخص طبيعي أو اعتباري، إلا بترخيص مسبق.
ما هي الموافقة الأمنية؟
الموافقة الأمنية يحتاجها المشتري لأرض في المناطق الحدودية، فلا يمكن إنشاء أي حق عيني عقاري… إلخ، على عقار في المناطق الحدودية إلا بالحصول على هذا الترخيص من الجهات المختصة. كنا عملياً نرسل طلب الترخيص إلى وزارة الداخلية بدمشق، والتي بدورها تعيدها إلى كافة الأفرع الأمنية التي يقع في دائرتها العقار موضوع الترخيص لدراسته وبيان البائع والمشتري وجنسية كل منهما.
فإذا تبين أن البائع كوردي والمشتري عربي، تتم الموافقة الأمنية فوراً دون تأخير، أما إذا تبين العكس، أي أن المشتري كوردي والبائع عربي، ففي هذه الحالة يتم رفض الطلب، والقرار غير قابل لأي طريق من طرق المراجعة، ولكن يمكن لصاحب المصلحة تقديم طلب جديد، وذلك بعد مرور سنة على استلامه للطلب الأول، لذلك فإن الطلبات المرفوضة تبقى في أدراج الأفرع الأمنية دون إعادتها إليه لحرمانه من حق تقديم طلب جديد.
فتصوّر، يرعاك الله، كم كانت كمية الظلم التي كنا نعانيها نحن أبناء المناطق الحدودية!!
وذلك وفقاً للمادة رقم (٣) من المرسوم ذاته.
مثال عملي:
سأسرد مثالاً عملياً لما سبق وشرحه، مرّ معي في معرض قيامي بعملي كمحامٍ، مع العلم أنه ليس المثال الوحيد.
كنت قد توكلت بدعوى تثبيت بيع عقار ونقل ملكية ٥٠٠ متر مربع غرب مدينة الرقة، التي تبعد عن الحدود التركية مسافة ١٠٠ كم، من أجل بناء معمل مرطبات عليه. قانوناً، العقار ليس ضمن المناطق الحدودية، لذلك كنت قد حصلت على قرار قضائي مكتسب الدرجة القطعية، ووضعته لدى دائرة التنفيذ أصولاً، وقد سلّمت الموكل القرار مكتسب الدرجة القطعية قابلاً للتنفيذ. وهنا انتهى دوري كمحامٍ.
بعد مدة حوالي ثلاثة أشهر، راجعني الموكل شاكياً بأن مدير السجل العقاري لا ينفذ القرار ولا يعرف السبب.
وبحكم علاقتي مع موكلي، ذهبت إلى مدير السجل العقاري سائلاً عن الإضبارة وسبب تأخير التنفيذ، ولم يخلُ سؤالي من نوع من التهديد بعدم تنفيذ قرار قضائي مكتسب الدرجة القطعية.
وهنا اضطر المدير إلى أن يصارحني، وأخذني جانباً قائلاً:
هناك تعليمات من الأمن بعدم تنفيذ القرارات التي يكون فيها المشتري كوردياً. وهنا ناقشته بالقانون، وأن التعليمات والتعاميم لا توقف القرارات القضائية، وأنه بذلك يرتكب جرماً جزائياً، هو عدم تنفيذ قرار قضائي.
استدركت وسألته: من قال لك إن الموكل كوردي؟
أجابني: يكفي أن تكون والدته كوردية.
وسألته للمرة الثانية: ومن قال لك إن والدته كوردية؟؟
أجاب: من الاسم. فقلت: وما اسمها؟
أجاب: يوسفان.
وسألته: ومن قال لك إن “يوسفان” هم كورد؟؟
وكوني على معرفة تامة بالموكل، وأن والدته من مدينة حلب، ناديت الموكل الذي حلّ اللغز وانتهت القضية ودياً.
ولكن الجملة التي لا أنساها هي عندما قال لي المدير: “ فيها قص رقاب يا أستاذ”.
لقد سردت هذه القضية، عزيزي القارئ، ليس لأحكي فكاهة، وإنما لأبيّن للعرب ما هو مدى الكارثة والغبن الذي كنا نعانيه ككورد، سواء في المناطق الحدودية أو غيرها، وأن هذا التمييز لا يمكن أن تشعر به، إلا بعد أن يُمارس عليك، لذلك أرجو أن تقبلوا أعذارنا.
الخاتمة:
الغاية من طرح هذا الموضوع وموضوع الحزام العربي في هذا الوقت هو أننا مقبلون على أحداث ودستور وقوانين جديدة للبلاد، لذلك يجب علينا كمحامين أن نتذكر كل السلبيات التي كانت في الدستور السابق، والقوانين والمراسيم الجائرة بحق أهلنا الكورد، والتي تم التخطيط لها من أعلى المستويات السياسية في الدولة، واتخاذهم لأخطر القرارات المصيرية، كتلك التوصيات التي اتُّخذت في المؤتمر القطري الثالث في عام ١٩٦٦، وما ورد في الفقرة الخامسة منه (إعادة النظر بملكية الأراضي الواقعة على الحدود السورية التركية على امتداد ٣٨٣ كم، وبعمق بدأ بـ ١٥ كم حتى وصل إلى عمق ١٠٠ كم، بحيث وصل عملياً إلى عمق مدينة الرقة وريفها).
ملاحظة:
يمكن لمن يريد الاطلاع على نصوص القانون رقم ١٩٣ لعام ١٩٥٢ وتعديلاته، مراجعة والبحث في غوغل.
م. محمد إبراهيم علي




