
إن مفهوم حق تقرير المصير و للوهلة الأولى يبدو لنا بأن له دلالات ومعاني واضحة وصريحة خاصة إذا ما علمنا أنه يتضمن كلمة ( حق ) أي لا يدع مجالاً للشك بأن تطبيقه يعني تحقيق العدل والإنصاف الذي يعتبر من المبادئ الرئيسة في الدين الإسلامي الحنيف قال جلّ وعلا في كتابه العزيز( إنما المؤمنون إخوة ) ( يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل ) وقال رسول الله (ص): ( لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه )، وقال (ص) : في حجة الوداع ( أيها الناس إنً ربكم واحد وإنً أباكم واحد كلكم لآدم وآدم من تراب ) هذه الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة كلها وهي غيض من فيض تؤكد على شيء واحد هو أن لا فرق ولا تمايز بين أحد وبالتالي بين قوم أو آخر ولها نظرة جامعة وواحدة للإنسانية ككل كما أنً لها تفسير واحد هو أن الناس لها الحقوق والواجبات ذاتها كائنٌ من كان بصرف النظر عن جنسه ولونه وعرقه ودينه و طائفته أو مكانه و زمانه )، وكما هو في منظور الدين الإسلامي فالمسيحية أيضاً دعت إلى المساواة ونادت بمجتمع مبني على الإخاء بين الناس بغض النظر عن مكانتهم و ثقافتهم ورددها بولس الرسول ” ليس يهودي ولا يوناني ليس عبد ولا حُر ليس ذكر ولا أنثى لأنكم جميعاً واحد في المسيح يسوع ” وهذا التأكيد جاء أيضاً في القانون الدولي وميثاق هيئة الأمم المتحدة حيث أعتبر حق تقرير المصير ” حق ثابت ” يتمتع بالقوة الآمرة علماً بأن هذا الحق كان مرتبطاً في السابق بالاستعمار ولكن مع تطور القانون الدولي المعاصر بالإضافة إلى ظهور انقسام دولي ووجود أحلاف عسكرية ونشوب حروب وارتكاب مجازر ضد الأقليات القومية والعرقية، أعطى لمسألة حق تقرير المصير معاني جديدة بحيث أصبح بالإمكان أن تطالب الشعوب بحق تقرير مصيرها وبالتالي الإستقلال عن تلك الدولة التي ترضخ لها لكن بشروط منها مرتبطة بالقانون الدولي نفسه ومنها مرتبطة بالدعم السياسي للدول الكبرى ذات النفوذ على الساحة الدولية وضمن هذا السياق أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة القرار رقـم /673/تاريخ 16/12/1952 الذي أوجب على كل عضو في الأمم المتحدة الحفاظ على تقرير المصير للأمم الأخرى واحترامه، كما أكدت في القرار رقم /2787/ لعام/1972 حق الشعوب في تقرير مصيرها والاستقلال بكل الوسائل المتاحة لها والمنسجمة مع ميثاق الأمم المتحدة، وطلبت من جميع الدول الأعضاء تقديم الدعم المادي المعنوي وكافة أنواع المساعدات للشعوب التي تناضل من أجل ذلك الهدف وبالرغم من ذلك كانت هناك دائماً خلافات بين الدول حول مفهوم حق تقرير المصير وبالتوازي معها كان هناك خلاف دائم أيضاً بين فقهاء القانون الدولي فمنهم من أعتبره حق ثابت وقاعدة قانونية مُلزمة ومنهم من أعتبرها غير مُلزمة لأنها تقع ضمن الاختصاص الداخلي للدول، إلا أنّ غالبية فقهاء القانون تصدوا لهذه الفكرة وأكدوا بأن تقرير المصير قد تطوّر عبر قرارات وممارسات المجتمع الدولي، وأصبح حقاً قانونياً يُرتب للدول والشعوب حقوقاً ويفرض عليها إلتـزامات دولية، بل على العكس إذا حصلت الشعوب والأقليات على حقها في تقرير المصير فلن يبقى هناك مبرراً للعنف والفوضى وتوضح الفقرتان ( 4 و 5 ) من المبدأ الخامس من إعلان مبادئ القانون الدولي بشأن العلاقات الودية والتعاون بين الأمم المتحدة وفقاً لميثاقها إن من بين الوسائل المسموح بها في إطار ممارسة حق تقرير المصير :
1- إقامة دولة مستقلة ذات سيادة.
2- الرغبة في حرية الاستقلال عن دولة أو الانضمام إلى دولة مستقلة.
3- التحوًل على نظام سياسي بحرية.
لذلك فإنّ حق تقرير المصير بموجب القانون الدولي المعاصر يتم توظيفه في مجالات محددة كحق الشعوب المستعَمرة من الحصول علـى استقلالها وكذلك الجماعات الاثنية والعرقية التي تعاني من الاضطهاد والتفرقة العنصرية في بلد ما، خاصة إذا كانت على بقعة جغرافية محددة ومن الوسائل والأساليب الدستورية و السلمية لممارسة حق تقرير المصير / الاقتراع العام والاستفتاء/ وهذا ما أكدته الجمعية العامة في قرارها رقم /637/ لعام /1952/ ( رغبات الشعوب تؤكد من خلال الاقتراع العام أو أية وسيلة ديمقراطية معترف بها، ويفضّل أن ُتمارس تحت إشراف الأمم المتحدة ).
ولكن السؤال ما هو الحل…؟ في حال إذا ما تم رفض هذا الأسلوب وعدم تلبية رغبات الشعوب من قبل الدول المتسلّطة التي لا تعترف أصلاً بالديمقراطية ؟ هنا الحل لا بُد من أن يتدخل المجتمع الدولي المتمثل بهيئة الأمم المتحـدة ومجلس الأمن الدولي لاتخاذ الإجراءات الكفيلة بإنهاء هذا الفكر المتسلط والعدوان على إرادة الشعوب، وإن لم تفعل ذلك أولم تقم بواجبها حيال ذلك الوضع، هـذا يبرر للشعب صاحب العلاقة اللجوء إلى القوة والعنف (وإن لم ينص على ذلك نص).
وعلى ضوء ما تقدم من الحقائق والنصوص الشرعية والمبادئ الدستورية والقواعد القانونية والمواثيق الدولية، لابد من الرجوع والإشارة إلى ما قد حَدث في عام 2017 حول موضوع الاستقلال في إقليم (كوردستان )العراق و إجراء (الاقتراع العام أو الاستفتاء الشعبي ) نقول وبعيداً عن أي نوع من أنواع التعصب القومي والعنصري كان متوافقاً تماماً مع الشرع و مبادئ القانون الدولي وميثاق هيئة الأمم المتحدة بل كان الحل الناجع والأسلوب السليم لحماية الشعب الكوردي من كافة أنواع الظلم والاضطهاد والتفرقة العنصرية والابادة الجماعية التي عانى منها الكثير، وبالتالي كي يمارس حقه الطبيعي في الحياة الحرة الكريمة على أرضه أرض الآباء والأجداد (كوردستان).
المحامي : محمد طه حسين




