
يُعد اتحاد المحامين الكورد إطاراً مهنياً وقانونياً يستند في رؤيته ورسـالته إلى منظومة من القيم والمبادئ التي تجسّد روح العدالة والاستقلالية. ويقوم في بنيته الفكرية والعملية على رؤية تدمج بين القيم المهنية العالمية والخصوصية الوطنية الكوردية، بوصفه كياناً حقوقياً يسعى إلى صون الحقوق الجماعية والفردية للشعب الكوردي وفق مبادئ القانون الدولي.
ومن خلال دراسة النظام الأساسي للاتحاد، يتضح أن مبادئه الجوهرية ترتكز على عشرة مرتكزات رئيسة وردت في المادة السادسة، التي تؤكد القيم التالية: المهنية، الكفاءة، الحيادية، الاستقلالية، والشفافية، وتتفرع عنها مجموعة من الالتزامات العملية يمكن قراءتها من منظور فكري ومؤسساتي كما يأتي:
المادة (٦): مبادئ اتحاد المحامين الكورد
ترتكز قيم الاتحاد على المهنية والكفاءة والحيادية والاستقلالية والشفافية، عبر الالتزام بالمبادئ التالية:
أ- توفير الدعم والخدمات للمتضررين بأعلى معايير المهنية والكفاءة، بهدف تحقيق أقصى قدر من النتائج الإيجابية.
ب- الالتزام بالشفافية والمساءلة في جميع أعمال وأنشطة الاتحاد، وضمان المساءلة أمام الجمعية العمومية من خلال تقديم تقارير دورية بوضوح.
ج- المحافظة على حيادية الاتحاد واستقلاليته، مع عدم الارتباط بأي جهة سياسية أو حكومية، والالتزام بموقف محايد تجاه جميع الأطراف دون تحيّز لأي جهة أو مصلحة.
د- اتخاذ القرارات والإجراءات وفقاً للمعايير القانونية والأخلاقية بكفاءة ونزاهة، بعيداً عن أي تأثيرات خارجية، وتقديم الخدمات القانونية باستقلالية وموضوعية دون انحياز.
هـ- احترام حقوق الإنسان، ومكافحة جميع أشكال التمييز، والحفاظ على الحقوق والحريات الأساسية.
و- السعي لتحقيق العدالة في المجتمع، ومكافحة التمييز والظلم بكافة أشكاله.
ز- بناء العلاقات والتعاون مع المنظمات الدولية والمؤسسات الحكومية وغير الحكومية لدعم أهداف الاتحاد، وإطلاع المجتمع الدولي على قضايا الشعب الكوردي وحقوقه.
ح- احترام التعددية الثقافية والدينية والسياسية في مختلف مجالات عمل الاتحاد.
ط- يرتكز عمل الاتحاد على الخبرة المهنية والاحترافية القانونية، مما يتيح له إمكانية إقامة الدعاوى وممارسة التخصص في مجال القانون.
ي- الالتزام بالقوانين والأنظمة المحلية والدولية في جميع الأنشطة والأعمال التي يقوم بها الاتحاد، باستثناء القوانين والأنظمة المحلية في الدول التي تحتل كوردستان إذا كانت تتعارض مع مبادئ وأهداف الاتحاد.
أولاً: قراءة تحليلية في المبادئ
تتمحور المبادئ الأساسية لاتحاد المحامين الكورد حول بناء منظومة مهنية وأخلاقية تستند إلى العدالة والاستقلالية والالتزام بالقيم الحقوقية. فالعمل القانوني ليس مجرد ممارسة مهنية، بل رسالة اجتماعية وإنسانية تهدف إلى تحقيق العدالة بوصفها حقاً أصيلاً لا امتيازاً.
وتبرز الشفافية والمساءلة المؤسسية كعنصرين محوريين في إدارة شؤون الاتحاد، بما يضمن وضوح القرارات وفعالية الرقابة الداخلية، ويعزز ثقافة الحكم الرشيد، مما يجعل الاتحاد نموذجاً في سيادة القانون داخل مؤسساته.
أما الاستقلال والحياد السياسي فيمثلان جوهر هوية الاتحاد، إذ يحرص على النأي بنفسه عن النفوذ الحزبي أو الحكومي لضمان أداء مهامه الحقوقية بنزاهة وموضوعية. كما يجسد احترام حقوق الإنسان ومناهضة التمييز البعد القيمي للمهنة، فيتحول الاتحاد إلى صوتٍ مدني جامعٍ يدافع عن المظلومين ويرسّخ المساواة أمام القانون، متبنّياً رؤية العدالة كقيمة تتجاوز النصوص إلى الممارسة الواقعية.
وتؤكد المبادئ أيضاً أهمية التعاون الدولي والانفتاح على المنظمات الحقوقية، بما يتيح تدويل القضايا الكوردية ضمن الإطار القانوني والحقوقي العالمي، ويعزز الدبلوماسية الحقوقية كآلية سلمية للدفاع عن حقوق الشعب الكوردي. كما يولي الاتحاد اهتماماً لاحترام التعددية الثقافية والسياسية داخل المجتمع، إدراكاً منه بأن العدالة لا تُبنى إلا على قبول التنوع وضمان حرية الرأي والانتماء.
وفي سياق تطوير الأداء المهني، يشدد الاتحاد على الاحترافية القانونية والتخصص العلمي المستمر من خلال التدريب والبحث والتطوير، تعزيزاً لمكانته كمؤسسة قانونية معاصرة تتفاعل مع المعايير الدولية.
أما الالتزام بالقوانين المحلية والدولية، فيجسد التوازن بين احترام الشرعية القانونية وصون الضمير الوطني، حيث يرفض الاتحاد أي تشريعات تتعارض مع مبادئ العدالة أو تنتقص من الحقوق القومية للشعب الكوردي، مستنداً إلى مبادئ الشرعية الدولية وحق تقرير المصير.
وبذلك، تُظهر هذه المبادئ رؤية الاتحاد ككيان قانوني وطني وإنساني يجمع بين المهنية العالمية والمسؤولية التاريخية في الدفاع عن العدالة وحقوق الإنسان في كوردستان وخارجها.
ثانياً: الأسس الفكرية والقانونية للمبادئ
تستمد هذه المبادئ مرتكزاتها من منظومة فكرية ومهنية متعددة المصادر، يمكن حصرها في أربعة أطر رئيسة:
١- المواثيق الدولية المنظمة لمهنة المحاماة
وأبرزها مبادئ الأمم المتحدة الأساسية بشأن دور المحامين (هافانا، 1990)، التي تؤكد استقلالية المحامي وحرية أدائه المهني واحترام العدالة وحقوق الإنسان، والالتزام بأعلى المعايير الأخلاقية والمهنية، فالمحامي هو “ركن من أركان العدالة”.
٢- المدونات الأخلاقية الدولية للمهنة القانونية
مثل المدونة الدولية لأخلاقيات المحامين الصادرة عن الاتحاد الدولي للمحامين، التي تؤكد النزاهة والشفافية والكفاءة والسرية المهنية، إلى جانب الاستقلالية في أداء الواجب القانوني.
٣- مبادئ حقوق الإنسان العامة
المستمدة من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان (1948) والعهدين الدوليين للحقوق المدنية والسياسية، والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ولا سيما ما يتعلق بالمساواة ومناهضة التمييز وصون الكرامة الإنسانية.
٤- الهوية الوطنية والقضية الكوردية
إذ يضفي الاتحاد بُعداً قومياً وحقوقياً خاصاً على مبادئه، يتمثل في الدفاع عن حقوق الشعب الكوردي وحقه في تقرير المصير. وهنا يلتقي البعد المهني بالبعد التحرري في صيغة مؤسسية تتبنى الدفاع القانوني السلمي كطريق للاعتراف الدولي، والتواصل مع المجتمع الدولي لتدويل قضيته العادلة، ورفض الخضوع لأي قوانين أو أنظمة في الدول التي تحتل كوردستان إذا تعارضت مع مبادئ العدالة وحق تقرير المصير المعترف به في القانون الدولي.
ثالثاً: الالتزام المؤسسي بالنظام الأساسي
يُعد الالتزام بالنظام الأساسي للاتحاد ركيزة جوهرية لضمان تحقيق رسالته وأهدافه. فكل عضو، أيّاً كان موقعه، ملزم قانونياً وأخلاقياً باحترام هذا النظام باعتباره المرجعية التي تنظم الحقوق والواجبات وتحدد حدود المسؤولية والمساءلة. ويعكس هذا الالتزام نضجاً في الممارسة الديمقراطية داخل الاتحاد، ويضمن وحدة الرؤية والأداء.
يرتبط نجاح الاتحاد وتطوره واستمراره بمدى الالتزام بنظامه الأساسي الذي يمثل الإطار التنظيمي الحاكم لجميع أعضائه، والذي لا يعلو عليه أحد مهما بلغت مكانته. فالتقيد بالنظام يعزز الثقة المؤسسية، بينما يؤدي تجاوزه إلى إضعاف البنية التنظيمية وإعاقة تحقيق الأهداف المهنية والقانونية.
وكما أن الأمم تتطور بالنظام والقانون، فإن خرقهما يمثل أولى خطوات الانحراف عن العدالة ومقدمةً للضعف المؤسسي وفقدان المصداقية.
المحامي محي الدين نعمان




