
في ضوء التطورات المتسارعة التي أعقبت انهيار نظام الحكم في دمشق، وما تلا ذلك من استيلاء معارضين على السلطة، يعرب اتحاد المحامين الكورد عن موقفه القانوني إزاء هذه التطورات، مؤكداً عدم شرعية هذه السلطة من الناحيتين الدستورية والقانونية، ورافضاً جميع الإجراءات التي تتعارض مع مبادئ سيادة القانون والعدالة.
الانتهاكات القانونية والدستورية:
منذ استلام من يمكن تسميتهم بسلطة الأمر الواقع للحكم، شهدت البلاد سلسلةً من الممارسات التي شكلت خرقاً واضحاً للشرعية الدستورية والقانونية، من أبرزها:
١- إلغاء الدستور والقوانين السارية دون أي سند شرعي أو استفتاء شعبي، مما تسبب في فراغٍ دستوري خطير، وجعل قرارات هذه السلطة تفتقد الى الشرعية.
٢- استبعاد عددٍ كبيرٍ من الموظفين وحلُّ المؤسسات بقراراتٍ تعسّفية، دون سند قانوني واجراءات قضائية عادلة،مما يخل بمبدأ المشروعية، وأحدث فراغاً إدارياً وقانونياً يهدد استقرار الدولة والمرافق العامة فيها.
٣- تعيين أشخاص متورطين في جرائم خطيرة، ويُعاقب عليها القانون السوري والقوانين الدولية في مناصب قيادية، في انتهاكٍ صريحٍ لمبادئ العدالة وسيادة القانون.
٤- توطين الآلاف من المرتزقة الأجانب من خلال عمليات تجنيس غير قانوني، واستناداً الى معايير آيديولوجية وجهادية غير مألوفة واستقدام عائلاتهم، مما يؤدي إلى تغييرٍ ديموغرافي قسري يؤثر على التركيبة السكانية ويخل بالتوازن المجتمعي والحقوق الجماعية للسكان الأصليين.
٥- تهميش المكونات القومية والدينية، لا سيما الكورد الذين يشكلون ثاني أكبر قومية في البلاد، وحرمانهم من التمثيل السياسي العادل والمشاركة الفعلية في صنع القرار الوطني، مما يعد انتهاكاً لمبدأ المساواة وعدم التمييز، واخلالاً بالحقوق السياسية المكفولة بموجب القوانين الوطنية والاتفاقيات الدولية.
٦- احتكار السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، على غرار النظام السابق، مما يفاقم أزمة الحكم ويرسِّخ نظاماً استبدادياً جديداً قائماً على لونٍ سياسيٍّ واحد.
٧- تجاهل الانتهاكات والجرائم التي ارتكبتها وترتكبها الفصائل المسلحة المسيطرة على مدى سنوات في منطقة عفرين بحقِّ الكورد هناك، بل وإشراكهم في الحكومة والسلطة العسكرية، بدلاً من ملاحقتهم ومحاسبتهم واتخاذ الاجراءات القانونية الواجبة بحقهم، مايعدّ خرقاً لحقوق الانسان وتواطؤاً في الافلات من العقاب.
٨- المسؤولية التقصيرية للدولة في عدم معالجة قضية مهجري أهالي عفرين وغيرها من المناطق في عموم سوريا وعودتهم جميعاً إلى منازلهم، مما يشكل خرقاً واضحاً للالتزامات القانونية والدولية المتعلقة بحماية المدنيين وضمان حقهم في العودة الآمنة.
التداعيات القانونية والإنسانية:
أدَّت هذه السياسات إلى حالةٍ من الفوضى الدستورية والقانونية، وعززت انعدام الثقة بين المجتمع والدولة، فضلاً عن تصاعد خطاب الكراهية والتحريض على العنف. كما أن استمرار الهجوم من قبل فصائل مسلحة بدعم من الدولة التركية في منطقة سد تشرين، إلى جانب القصف المستمر على المناطق الكوردية منذ ثلاثة أشهر، واستهداف المدنيين والصحفيين والبنية التحتية لمدينة كوباني، يساهم في التصعيد العسكري ولا يهيّئ الأجواء لإيجاد الحلول المناسبة، بل يزيد من معاناة المدنيين.
كما أن استمرار السياسات الإقصائية خلال الأشهر الأخيرة أدى إلى وقوع أحداثٍ دامية في الساحل أيضاً، بما في ذلك قتلُ المدنيين واستهدافُ المحامين والأطباء والصيادلة على الهوية، ما يعكس تصاعد حالة الفوضى وانعدام الأمن.
رؤية اتحاد المحامين الكورد:
انطلاقاً من التزامه بمبادئ القانون وحقوق الإنسان، يؤكد اتحاد المحامين الكورد ضرورة تبني حلولٍ جذرية تحفظ الحقوق وتضمن تحقيق العدالة والاستقرار، وذلك عبر:
١- وضع حدٍّ لجميع أشكال الحكم الاستبدادي، واستعادة الشرعية الدستورية عبر عملية ديمقراطية شاملة.
٢- تشكيل ممثلية وطنية كوردية موحدة تعبر عن إرادة الشعب الكوردي، وتعمل على ضمان تكريس حقوقه في الدستور وفق مبادئ فوق دستورية.
٣- صياغة دستور ديمقراطي يعزز التعددية واللامركزية السياسية والإدارية، ويصون حقوق جميع المكونات بإشرافٍ دولي.
٤- تفعيل آليات المحاسبة القانونية بحق المتورطين في انتهاكات حقوق الإنسان وجرائم الحرب، بغض النظر عن انتماءاتهم، وذلك ضمن إطار العدالة الانتقالية، ووقف جميع الأعمال الانتقامية التي تطال المدنيين فوراً.
٥- استبعاد القادة العسكريين المدرجين على قوائم الإرهاب، ومنعهم من تولي أي مناصب رسمية.
٦- اتخاذ تدابير صارمة لمكافحة خطاب الكراهية والتحريض على العنف، وتجريمه وفق القوانين الوطنية والدولية، للحفاظ على السلم الأهلي.
٧- إيجاد حلٍ عادل للقضية الكوردية، يستند إلى مبدأ حق تقرير المصير، استناداً إلى العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، باعتبارها قضية شعبٍ أصيلٍ له حقوقٌ مشروعة على أرضه التاريخية.
٨- العمل على ضمان عودة آمنة وكريمة لمهجري عفرين وسريّ كانيه وكري سبيه إلى ديارهم، وفق آليات قانونية تضمن حقوقهم وتحاسب الجهات المسؤولة عن تهجيرهم.
التزام الاتحاد بالدفاع عن الحقوق المشروعة:
يجدد اتحاد المحامين الكورد التزامه الكامل بدعم الجهود القانونية والدستورية الرامية إلى بناء دولةٍ ديمقراطيةٍ قائمةٍ على سيادة القانون والعدالة، ويؤكد استعداده ليكون سنداً قانونياً واستشارياً لممثلي الشعب الكوردي، في إطار ترسيخ حقوقه الوطنية والدستورية.
إن استمرار هذه الأوضاع دون حلولٍ جذريةٍ سيؤدي إلى تفاقم العنف والفوضى، مما يستدعي تكاتف جميع أبناء الشعب الكوردي لتشكيل ممثلية وطنيةٍ موحدةٍ تواجه هذه التحديات. ويدعو الاتحاد إلى الحوار والتوافق الوطني، مؤكداً التزامه بالدفاع عن الحقوق المشروعة لشعبنا بكل الوسائل القانونية والدستورية المتاحة.
اتحاد المحامين الكورد
ألمانيا، 14 مارس 2025




