
عندما لا يتمتع القضاء بالإستقلالية التامة ولا تكون مصانة في الدستور تتحول السلطة القضائية إلى تابع للسلطة التنفيذية، ويتحول القضاة إلى موظفين ليس بمقدورهم رفض أوامر وقرارات السلطات العليا وشاهد زور للفساد السلطوي ويفقد الناس ثقتهم بالقانون والسلطة القضائية، وان المقولة الشائعة ( القانون مطاط ) لم يأتي من الفراغ، و وفقاً للنظام القضائي في سوريا لا يمكن تحقيق مبدأ فصل السلطات ومبدأ استقلالية القضاء وذلك يرجع للأسباب التالية :
1 – التبعية الوظيفية :
رئيس الجمهورية هو الرئيس الأعلى للسلطة التنفيذية وفق المادة 83 من الدستور السوري لعام 2012 وكما أن رئيس الجمهورية يترأس مجلس القضاء الأعلى وفق المادة 134 من الدستور وهذا المجلس منوط به مهام تعيين القضاة وعزلهم ونقلهم بناءاً على اقتراح وزير العدل والذي يشرف على التنظيم الإداري للسلك القضائي ورئاسته لوظيفة النيابة العامة.
ومن خلال ذلك يتضح أن السلطة القضائية واقعة تحت هيمنة السلطة التنفيذية متمثلة برئيس الجمهورية، الرئيس الأعلى للسلطة التنفيذية ووزير العدل الذي هو عضو بالسلطة التنفيذية مجلس الوزراء .
لذلك فان كل مايقال عن استقلالية القضاء في سوريا كلام أجوف لا معنى له من الناحية العملية والقانونية لأن السلطة القضائية في الحقيقة تابعة للسلطة التنفيذية.
2- تداخل في المهام الوظيفة :
في واقع الحال فإن جناحي العدالة هم المحامون وقضاة النيابة، يفصل بينهم حكم عادل متمثل بقاضي الحكم، ينتصب قاضي النيابة للدفاع عن المجتمع ويخاصم المتهم وتعرف بأنه خصم نزيه وشريف والمحامي يدافع عن المتهم، ولكن كلاً من قضاة الحكم والنيابة يتبعون لذات الجهة الإدارية متمثلة بوزير العدل، لذا نرى تنقل القضاة بين النيابة العامة وقضاة الحكم والتحقيق فمرة نجده قاضي نيابة ومرة أخرى قاضي حكم وكما أن المحامي العام مسؤولاً إدارياً عن قضاة الحكم وقضاة النيابة في ذات الدائرة القضائية مما يولد تعاطف وتعاون أكبر بين قضاة النيابة وقضاة الحكم على حساب المواطن الطرف الأضعف في المعادلة، إن هذا التداخل الوظيفي يفقد القضاء استقلاليته ونزاهته وحياديته.
لتحقيق العدالة يجب ان لا يتم التنقل بين قضاة الحكم وقضاة النيابة وان تكون كل منها مؤسسة مستقلة عن الأخرى لا أن يكونا تابعين لنفس المؤسسة .
أغلب دول الشرق الأوسط تتبع نفس الاسلوب في عملية فصل السلطات، هذا مايؤدي إلى هيمنة السلطة التنفيذية على باقي السلطات التشريعية والقضائية، إذا أخذنا بعين الاعتبار أن رئيس الجمهورية يستطيع اتخاذ القرار بحل مجلس الشعب وإصدار مراسيم تشريعية لتصبح قوانين نافذة تجبر السلطة القضائية العمل وفق تلك المراسيم.
وهنا يبرز سؤال : هل تستطيع السلطة القضائية محاكمة أي شخص من السلطة التنفيذية على فساده؟ بالتأكيد الجواب، لا . لذلك فإن انتشار الفساد والمحسوبية في السلطة التنفيذية تبقى بدون رقيب أو حسيب مما يفتح المجال لتسرب الفساد إلى داخل مؤسسة القضاء، ومتى ما انتشر الفساد في القضاء في دولة ما نستطيع القول عنها بأنها دولة فاسدة.
خلاصة القول لا استقلال للسلطة القضائية في ظل القوانين النافذة وانما تقع تحت هيمنة السلطة التنفيذية.
ولكن كيف يمكن تحقيق استقلالية القضاء، في خطوتين :
1- ان يتم اختيار قضاة مجلس القضاء الأعلى من خلال لجنة مشكلة في مجلس الشعب تقترح الأسماء للتصويت عليه في البرلمان وأن يكون مجلس القضاء الأعلى مستقلاً ومهمتها تعيين وعزل نقل ومعاقبة القضاة وتقوم بتعيين قاضي في كل دائرة قضائية يكون مسؤولاً ادارياً يتابع سير عمل القضاء ضمن دائرته.
2- الفصل التام بين سلك النيابة العامة والتي تتبع لوزير العدل ادارياً ووظيفياً والقضاء بشقيه المدني والجزائي والتي تتبع لمجلس القضاء الأعلى وإلغاء رئاسة رئيس الجمهورية لمجلس القضاء الأعلى.
إذا اردنا بناء وطن ينعم بالعدل والمساواة علينا بناء سلطة قضائية مستقلة نزيهة وعادلة تحكم بالقانون ويخضع الجميع لتلك القوانين. كي لاتكون هناك قادة ومسؤولين يتمتعون بالحصانة والقدسية لا يخضعون للقانون ( رجالٌ فوق القانون نتيجتها دولة فاشلة وفق شريعة الغاب ) .
المحامي
محمود دالي