
المحامي محمد ملا
فكرة “المبادئ فوق الدستورية” ليست جديدة وإن كانت تسميتها حديثة وقد سميت (فوق دستورية) للتركيز على أهميتها الجوهرية في بناء هيكل الدستور، لقد سبقت الى المبادئ فوق الدستورية دول ديمقراطية بقرون عدة تمتد الى الميثاق العظيم للحريات فى إنكلترا (وثيقة الماكنا كارتا) التى تم سنها فى عام 1215 ، وكانت أول ميثاق للحد من سلطة الملك، ووثائق حقوق الانسان التي اصبحت فى صلب أغلب دساتير العالم كإعلان حقوق الإنسان ، ووثيقة الحقوق فى دستور الولايات المتحدة الأمريكية لعام 1791، والتي سعت لضمان الحريات المدنية وغيرها من المواثيق.
تعريف المبادئ فوق الدستورية: هي مجموعة من القواعد والأحكام، يتم رفعها إلى مرتبة أعلى من مرتبة الأحكام الدستورية نفسها، فتكون مطلقة ثابتة سامية، محصّنة ضد الإلغاء والفسخ والتعديل، عند تعديل الدستور، أو تغييره ، أو حتي تعطيله ، وتصبح فوق الدستور وحدّاً عليه، ولا تجوز مخالفتها بمواد دستورية أخرى، وتكون المحكمة الدستورية ملزمة بمراعاتها وتطبيقها، حتى لو لم تكن متضّمنة في الدستور..
وهي مبادئ يتم التوافق عليها مسبقاً، وقبل المباشرة في كتابة الدستور ، من قبل جميع القوى والمكونات المجتمعية الموجودة، دون إستثناء…
مضمون هذه المبادئ عموماً هو : الحريات العامة، والكرامة الإنسانية ، والحريات العامة ، حقوق الإنسان الأساسية، وعدم التمييز بين المواطنين، والتي يكتسبها الإنسان لمجرد كونه إنساناً، وقد أصبحت حقوقاً عالمية، وواجبة الإحترام والتطبيق بعد تبنيها من قبل الأمم المتحدة، وتضمينها في ” الإعلان العالمي لحقوق الإنسان” الصادر عن المنظمة الأممية، في العام ١٩٤٨م ، ثم في العهد الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام ١٩٦٦م، وكثيراً ما أصبحت تضاف إلى الدساتير الوطنية، و لهذا السبب وضعت فى مقام سام غير قابل للالغاء والتغيير وليس لأنها مستمدة من القانون الدولي أو مرتبطة بالمبادئ الملزمة، فالمبادئ فوق الدستورية تقطع الطريق على عودة التطرف و الديكتاتورية، من خلال اللعبة الديمقراطية ( نظرية تحصين الديمقراطية )، وهذه المبادئ ليس شرطاً لازماً أن تتم بنص داخل الدستور، ويرجع ذلك لسبب بسيط هو كما يعلم الجميع أن الدستور يمكن ان يكون عرفياً أي غير مكتوب. لقد دلت تجربة جنوب افريقيا أيضاً ان المبدأ الدستوري يمكن أن يكون فى وثيقة منفصلة، وأيضاً قد شهدنا دولاً عدة فى العالم وذات أنظمة مستقرة بدون وثيقة دستورية مكتوبة و أوضح مثال انجلترا، ومن أشهرها ايضاً المبادئ فوق الدستورية الواردة بالدستور التركي والتي كرست علمانية الدولة التركية وفي عدة دول أخرى ..
فلا بّد إذن من قطع الطريق على إحتمالات من هذا النوع، عبر التوافق على مبادئ فوق الدستورية غير قابلة للتجاوز أو التعديل ، تضمن الحقوق والحريات العامة و الأساسية للجميع، وأهمية الحديث حول هذه المبادئ المحصنة يكمن في عدم التلاعب بالدستور في التغيير والتعديل والتعطيل وتبقى هذه المبادئ ثابتة راسخة لضمان حقوق جميع المكونات وعدم التمييز وتثبيت حقوق الانسان ضد أي انتهاك يحدث ضمن أية سلطة كانت ..