
الفرق بينهما من منظور #القانون الدولي
بدايةً، وقبل أن نخوض في مسألة كهذه، نرى من الأنسب أن نستهلّه ببيان الحاجة إلى إدراك قيمة وأثر المصطلحين وأبعاد ومدلول كلٍ منهما.
إذ..وبعد الإعلان عن الاتفاقية التي أبرمت بين رئيس السلطة المؤقتة في دمشق، السيد أحمد الشرع وبين الجنرال مظلوم عبدي قائد قوات سوريا الديمقراطية، ضجت وسائل الاعلام المحلية والعالمية، بخبر ذاك الاتفاق وبنوده الثمانية المعلنة.
تلا ذلك بطبيعة الحال، وان جاز التعبير، موجة من الآراء وردود الأفعال كانت في غالبيتها العظمى مرحبّة وايجابية تجاه الاتفاقية.
تزامن مع ذلك حالة من القلق والتوهان لدى الأوساط الكردية تحديداً، حيال الاتفاق ومدى ما يحمله من ايجابيات وسلبيات لهم ولمستقبلهم، ولا سيما أنه أتى بمضمونٍ مختصر وبعناوين عامة وعريضة تحمل الكثير من فرص التأويل و التفسير لأصحاب المصالح والمشيئة والأهواء.
ولعل أبرز ما لفت الانتباه في مضمون الاتفاق وأثار المخاوف والشكوك، هو البند الثاني منه، حيث جاء فيه:
“الإعتراف بالمجتمع الكردي كجزء أصيل من الدولة السورية، وضمان حقوقه في المواطنة والحقوق الدستورية ”
وهنا…السؤال الذي طرح نفسه بقوة لدى الكثيرين، كان مفاده:
لماذا وردت عبارة ” المجتمع الكردي” ولم تكن العبارة ” الشعب الكردي” كما المعتاد والشائع والأصل، وهل ثمةّ فرق أو فروقاتٍ بينهما، وما هي وكيف وما تبعات حال وجود الفروقات ووو…؟
لذلك رأينا من الاهمية بمكان أن نسعى إلى تقديم وبيان المفيد والمعين في هذا الجانب.
في الحقيقة…أن القانون الدولي، يحمل فرقاً واضحاً بين المصطلحين أي مصطلح الشعب ومصطلح المجتمع ، وهذا يظهر في الصكوك الدولية التي تمنح كل منهما حقوقا مختلفة. وإليكم فيما يلي المواد القانونية التي تناولت هذين المصطلحين:
أولًا: في المواد التي تحدثت عن الشعب وحقوقه
هذه المواد تمنح الشعوب حقوقا سياسية، وعلى رأسها حق تقرير المصير:
ميثاق الأمم المتحدة (١٩٤٥ ) :
المادة ١، الفقرة ٢:
(إنماء العلاقات الودية بين الأمم على أساس احترام المبدأ الذي يقضي بالمساواة في الحقوق بين الشعوب وبأن يكون لكل منها حق تقرير مصيره ) .
هذه المادة تؤكد أن الشعوب لها الحق في تقرير مصيرها، وهو حق لا يُمنح للمجتمعات.
العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية ( ١٩٦٦ )
المادة ١، الفقرة ١:
( لجميع الشعوب حق تقرير مصيرها بنفسها. ولها بمقتضى هذا الحق أن تقرر بحرية وضعها السياسي، وتسعى بحرية إلى تحقيق نمائها الاقتصادي والاجتماعي والثقافي )
هذه المادة تربط مباشرة بين صفة الشعب وحق تقرير المصير.
العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية (1٩٦٦ )
المادة ١، الفقرة ١:
( لجميع الشعوب، بمقتضى هذا العهد، الحق في تقرير مصيرها بنفسها، ولها بمقتضى هذا الحق أن تقرر بحرية وضعها السياسي، وتسعى بحرية إلى تحقيق نمائها الاقتصادي والاجتماعي والثقافي ).
ورد النص نفسه كما في العهد المدني والسياسي، مما يؤكد أن حق تقرير المصير خاص بالشعوب فقط.
إعلان الجمعية العامة للأمم المتحدة حول منح الاستقلال للبلدان والشعوب المستعمرة ( ١٩٦٠ ) – القرار ١٥١٤:
المادة ٢:
( لجميع الشعوب حق غير قابل للتصرف في تقرير مصيرها وتحديد وضعها السياسي بحرية، ووفقا لإرادتها دون تدخل خارجي ).
هذا القرار كان أساسا لإنهاء الاستعمار، وهو يشير بوضوح إلى أن الشعوب وليس المجتمعات هي التي تملك هذا الحق.
ثانيًا: المواد التي تحدثت عن المجتمع وحقوقه
المجتمع ، يُستخدم عادة في سياق الأقليات، وليس الشعوب، لذلك فهو مرتبط بالحقوق الثقافية والدينية وليس السياسية. أهم الوثائق التي استخدمت هذا المصطلح:
إعلان الأمم المتحدة بشأن حقوق الأشخاص المنتمين إلى أقليات قومية أو إثنية أو دينية ولغوية (١٩٩٢ ) :
المادة ١، الفقرة ١:
( على الدول حماية وجود الأقليات القومية أو الإثنية أو الدينية أو اللغوية داخل أراضيها، واحترام هويتها الثقافية، وتوفير الظروف الكفيلة بتعزيز هذه الهوية ).
هنا يتم التعامل مع هذه المجموعات كمجتمعات داخل الدولة، وليس كشعوب ذات حقوق سياسية مستقلة.
الاتفاقية الإطارية لحماية الأقليات القومية (مجلس أوروبا، ١٩٩٥ ) :
المادة ٥، الفقرة ١:
( تتعهد الدول الأطراف بتشجيع الظروف المناسبة التي تمكن الأشخاص المنتمين إلى أقليات قومية من التعبير عن خصائصهم، وتنمية ثقافتهم دون أي تمييز) .
تركز هذه المادة على الحقوق الثقافية وليس الحقوق السياسية أو القومية.
الإعلان العالمي لحقوق الإنسان (١٩٤٨ ) :
لم يذكر مصطلح المجتمع بشكل صريح، لكنه تحدث عن جماعات لها حقوق دينية وثقافية.
الفرق القانوني بين المصطلحين
عندما يُذكر مصطلح الشعب في القانون الدولي، يكون مرتبطا دائما بحقوق تقرير المصير والسيادة السياسية.
في المقابل. عندما يُذكر مصطلح المجتمع ، يكون مرتبطا فقط بالحقوق الثقافية والدينية ضمن إطار الدولة، وليس ككيان سياسي مستقل.
خلاصة ذلك…
وفقًا للقانون الدولي، إذا درُج تصنيف كورد سوريا كشعب، فإن لهم حق تقرير المصير. أما إذا درُج تصنيفهم كمجتمع، فإن حقوقهم ستقتصر على الحقوق الثقافية ضمن الدولة السورية دون أي بعد سياسي.
الأهم من ذلك، هو أنّ البعض بدأ يروّج لمفاهيم ومعلومات خاطئة وغير دقيقة في هذا الصدد، مثل أن القانون الدولي لا يتفق مثالاً مع عبارة ” الشعب الكردي في سوريا” أو أن العبارة خاطئة سنداً للقوانين والدساتير الدولية، ويبرر بالتالي مانع ورود العبارة ضمن الاتفاقية.
وهنا وجب التوضيح…بأن لا صحة لذلك مطلقاً.
يبدو أن أنصار هذا الاتجاه قد ألتبس عليهم الأمر، واستندوا في معلوماتهم على القانون الدولي التقليدي حينما أرتكز على فكرة الدولة القومية السيادية والنظر إلى الدولة على أنها وحدة سياسية متجانسة، وبالتالي اعتبار أن ” الشعب” مرتبط بأسم الدولة نفسها، دون أن يعلموا أو يواكبوا تطور القانون الدولي الحديث، ولا سيما بعد الحرب العالمية الثانية والتغييرات الجوهرية التي طرأت عليه مع بروز مبدأ حق تقرير المصير في المادة الاولى لميثاق الامم المتحدة، وبعد الاعلان العالمي لحقوق الانسان. ولعل الأبرز والأوضح في هذا الصدد هو ان اتفاقيات حقوق الأقليات والشعوب الأصلية اعترفت بوجود الشعوب داخل الدول، دون الحاجة الى أن تكون دولاً مستقلة.
إذاً…ما سبق يقودنا نتيجةً الى أن تحفظّ القانون الدولي التقليدي على عبارة مثل عبارة ” الشعب الكردي في سوريا” لا يزيل عن العبارة صحتها ومشروعيتها أبداً.
نكتفي بهذا. آملين أن نكون قد وفقنا في تقديم الصحيح والمفيد.
بقلم المحاميان :
عماد شيخ حسن
فارس علو






