
بقلم المحامي محمد ملا
العلماء حملة رسالة الحق والهداية للمجتمعات والإنسانية وهم الضياء في الظلماء قلاع الحق أمام مكائد أهل الباطل وأعوانهم، ولا يكتمون الحق على الناس استنكافاً أو تكبراً أو استغناءً، ويقع على عاتقهم التغيير والإصلاح وهم دائماً حملة مشاعل الهداية وصمام الأمان للمجتمعات مما يقومون به من جهود البيان والبلاغ والنصح والإرشاد ، ومن واجبهم أن يبددوا سحب اليأس والقنوط ويعمقوا الآمال في نفوس الأجيال بتجاوز الحال التي آلت إليها شعبنا من الفرقة والتشتت والوهن والتردي ، فالوحدة والإتفاق هما سبيل الحرية والخلاص من براثن الإستبداد والإستعباد والعيش بحرية وكرامة وحماية حقوق الإنسان من كل الانتهاكات وضمان العدالة الاجتماعية ، فمن الواجب نصرتهم، وصون عِلمهم، وحفظ آثارهم، وردّ جميلهم، والوفاء بحقّهم على الأمة، وذلك في نشر علمهم والحفاظ على نتاجاتهم ومؤلفاتهم كي ينهل منها الأجيال القادمة ، من بين هؤلاء العلماء الذي ذاع صيته والمعروف بصلابة مواقفه وكان يناضل في سبيل إرساء قواعد العدالة ونيل الحقوق المهضومة بالرغم من الضغوطات التي مورست بحقه والعقبات التي كانت تقف في وجهه ، إنه قاضي ثورة البارزاني العلامة ملا عبدالله الغرزي ولد في قرية زينال السياحية في منطقة زوق التابعة لولاية سيرت (منطقة غرزان ) بكوردستان الشمالية منذ صغره (رحمه الله) كان يقول أنه لقب بـ(حقي) لأنه كان يتلفظ دوماً بكلمة (حق )وقد منحه هذا اللقب الشيخ حضرت النقشبندي ، وترعرع في كنف ثورة صاصون مع والده القائد الروحي للثورة مع عائلة علي يونس وأخيه العلامة ملا محمد ثم هاجر مع والده الى غربي كوردستان عام 1929 وعندما أصبح في ريعان شبابه درس عند والده العلامة ملا رشيد الغرزي وأخيه العلامة ملا محمد ونال الاجازة العلمية على يد والده ودرس عند العديد من علماء الدين منهم ملا محي الدين الهاويلي وملا علي زوقيدي والشيخ محمد قركوي والشيخ أحمد الخزنوي حتى نال الاجازة الشرعية والفقهية على يد الشيخ علاءالدين الخزنوي في عام 1963وكان ضليعا في الفتاوى الدينية وخاصة في مسائل الأحوال الشخصية كما كنت أتذكر أنني كنت أدرس عنده العديد من الكتب القانونية أيام دراستي الجامعية في كلية الحقوق بجامعة دمشق كمادة مدخل لدراسة التشريع الإسلامي وقانون الأحوال الشخصية وأصول الفقه وقانون العقوبات والقانون المدني بالإضافة إلى ذلك كتب عديدة في مجال اللغة العربية والمنطق والفلسفة والفقه على المذاهب الأربعة وتعلمت بفضله اللغة الكوردية كتابة ( اللاتينية والآرامية ) وقواعداً خاصة بقراءة كتاب نوبهارا بجوكان وعقيدا إيماني لأحمد الخاني وديوان ملايي جزيري وكتب أخرى ، وكان عندما ينتهي من قراءة أي كتاب خاصة الكتب القانونية فيشرحها ويعطي رأيه مبينا الفرق بين حكم القانون وحكم الشريعة الإسلامية وكنت أستفيد منه كثيرا في دراستي حتى نلت عنده الإجازة العلمية مع آخر كتاب وهو جمع الجوامع في أصول الفقه ، كان رحمه الله يملك رأيا سديداً وسرعة البداهة ودقة الملاحظة ..وكان يقول أن القانون المدني السوري مستمد في العديد من أحكامه من الشريعة الإسلامية خاصة المذهب الحنفي وكان يرى أن القانون لا بد أن يخدم المجتمع عند تشريعه فإن لم يخدم المجتمع ويؤدي الى تقدمه وتطوره فلا معنى من وضعه وكان يقول أنه لا وجه للمقارنة بين القوانين الوضعية والقوانين الإلهية لأن البشر قد يصيبون وقد يخطئون لكن القوانين الإلهية من وضع الإله خالق البشر وهو أدرى بمصلحتهم وهي ثابتة غير قابلة للتغيير تهدف الى تنظيم العلاقة بين الانسان وربه ، أما الوضعية فهي تستمد القوانين من خلال التشريعات التي يسنها البشر كالدساتير والقوانين والمعاهدات فهي قابلة للتغيير والتعديل وفقا لمتطلبات المجتمع وتطوراته وتهدف الى تنظيم العلاقات بين الأفراد داخل المجتمع كالتشريعات الجنائية والدساتير والقوانين الإدارية والتجارية وقوانين المرور ..وكان يقول في العديد من خطبه أن القرآن يتألف من 6236 آية فهي تشمل أحكام المعاملات والعقوبات والأحكام الشخصية والدستورية والدولية وقسم العبادات، فأغلب الأيات تتحدث عن العدالة وتحريم الظلم والاستبداد وتنظيم أمور المجتمعات وشرعت هذه الاحكام للدنيا والأخرة وهذا هو الفارق الأساس عن القوانين الوضعية ..تبوأ العلامة ملا عبدالله منصب القضاء والافتاء عند التحاقه بثورة أيلول المباركة بقيادة الخالد ملا مصطفى البارزاني عام 1970 كان بيشمركة وعضو إتحاد علماء الدين الإسلامي في كوردستان وقد أجرى البارزاني مسابقة علمية بحضور العديد من علماء الدين وقد تم الاختبار وكانت النتيجة أن أصبح العلامة ملا عبدالله الأول في المسابقة وبهذا الفوز اختير لمنصب القضاء والافتاء في الثورة بأمر من البارزاني وكان يذكر العلامة أن القضاء والافتاء أيام الثورة في ذلك الوقت كان حسب دين الشعب ويقول الدكتور علاءالدين جنكو رحمه الله في كتابه سير أعلام الكورد في سوريا ج2 ص 46 : (عند استفساري من أستاذي العلامة ملا عبدالله الغرزي عن طبيعة المهمة الموكلة له في منصبه (في القضاء ) أجاب رحمه الله : لما كانت المنازعات والخصومات تحدث بين الناس عامة والبيشمركة خاصة ، كنت القاضي الذي يقضي ويصدر الأحكام فيها حسب أحكام الشريعة الإسلامية ) ، وكان من بعض القرارات الصادرة كما يذكر د.علاءالدين جنكو في نفس الكتاب وذات الجزء والصحيفة السابق ذكره ( كما قال رحمه الله في إحدى حواراته : القضاء لم يكن الا حسب دين الشعب وتراثه الإسلامي ، كان الاهتمام منصباً على المشاكل العامة وكان هناك تحديد للمهر ومنع زواج المبادلة ومنع تزويج المخطوفة حتى يتم الصلح بين الخاطف وأهلها وتوزيع الأراضي على الفلاحين والفقراء وحل المشكل حسب الإمكان وكان البارزاني رضي الله عنه يقول : ( الرجاء من علماء الدين أن لا ينقصوا ولا يزيدوا ويقولوا الحق فقط فأنا وجميع البيشمركة سند لهم ويقول والله لم يخطر ببالي سوى خدمة القرآن الكريم ) ، وكان مجالسهم في القضاء والافتاء والتحكيم متنقلا بين مدن وأقضية كوردستان أتذكر أنه قال أنه كلف بأمر من البارزاني في الذهاب إلى شنكال لحل خلاف بين أسرتين إيزيديتين وقال لهم لا بد أن تحلوا الخلاف بين العائلتين واذا قدم لكم الضيافة فكلوا عندهم اية وجبة يقدم لكم ، فذهب ومعه بعض من علماء الدين وحلوا الخلاف وعادوا الى أماكنهم ..وكان في خطبه يوم الجمعة في گوزگيران دوما يتحدث أن الحق مع الكورد وهم يتعرضون للظلم والاستبداد من قبل النظام البعثي العراقي الجائر حتى أن مختار القرية دعاه للذهاب معه الى المخفر ويقول لهم انه سحب من الثورة وأنه نادم على انضمامه في صفوف البيشمركة كي يعفوا عنه بعد صدور قرار إعتقاله من بين قائمة من أسماء المنضمين لقوات البيشمركة وصدور أحكام غيابية ضدهم ، فقال الأستاذ له: ( كيف أذهب اليهم وأكذب وأنا منذ فترة طويلة أقول أن الحق مع الكورد وأن الحكومة العراقية تظلم الكورد وتستبدهم وتنتهك حقوقهم وأقول لهم أنني قطعت علاقتي مع الثورة في ذلك الوقت ينعكس الأمور وأثق بهم وأقبل بظلمهم وعدوانهم وهل من المعقول والشيب غزا لحيتي فهذا الأمر من غير الممكن البتة ..) في اليوم الثاني وبعد هذا الحديث قامت سيارتين عسكريتين مليئة بالعساكر والامن العراقي بمحاصرة الجامع ونجا من قبضتهم بأعجوبة ، ثم في اليوم التالي التحق بالبيشمركة وبعد اتفاقية الجزائر المشؤومة 1975 هاجر مع عائلته الى غربي كوردستان وعندما كان الأستاذ في قامشلو وكان امام وخطيب جامع البدر في فترة زمنية ثم في جامع صوفي عيسى بحي الهلالية كان دوما في خطبه يوم الجمعة يخطب باللغة الكوردية مع أن ذلك في منظور حزب البعث والنظام السوري البائد يخالف القوانين والأنظمة الصادرة من وزارة الأوقاف لكنه كان مصرا على رأيه وهو أن الخطبة باللغة الكوردية حق لا يخالف القوانين والدين ما دام أغلبية الحاضرون في الجامع لا يفهمون باللغة العربية وهم كورد ثم أن الخطبة بغير العربية جائز وفق رأي بعض من الفقهاء الكبار والأئمة لكنه تعرض لضغوطات كثيرة حتى صدر قرار من شعبة الامن السياسي في دمشق وبالإيعاز الى وزارة الأوقاف بمنعه من الخطابة في يوم الجمعة مع ذلك كله كان يعطي دروسا ومواعظ قبل الخطبة بالكوردية ..كان الأستاذ ينشر العلم والمعرفة وكان يدرس لديه العديد من طلاب العلم من سوريا وماليزيا وتايوان والسعودية ومصر ونالوا الاجازة العلمية والفقهية…كما كان المرجع في الإفتاء خاصة في مسائل الاسرة كالزواج والطلاق والحضانة والرضاعة والوصية والخلافات التي كانت تحدث حول مسائل عديدة وكان يحلها في جلسة واحدة او جلستين وكان العديد من القضايا الشائكة يحلها وفقا للشريعة الإسلامية خاصة في مسائل الطلاق وكمثال على بعض من فتاويه أنه قدم اليه شخص ادعى أن الجن يضربونه بالأحجار في كل ليلة فقال له الأستاذ هذا غير صحيح فراقب ذلك الوقت وانظر من يضربك بالأحجار فاكتشف أن زوجته هي من تفعل ذلك فاشتد الخلاف بينهما وجاءا إلى الأستاذ وطالبا بالتطليق بينهما فطلق زوجته بحضور الأستاذ وبعد فترة رجع على الأستاذ وطالب بفتوى فقال له الأستاذ أتذكر أنك طلقت زوجتك ولك الفتوى بطلقة رجعية حسبما علم من أقواله فكتب الفتوى وقال له اذهب الى شيوخ الدين فمن عارض الفتوى فليكتب الرد مع الدليل فذهب الى شيخه فقال له الفتوى غير صحيحة ووبخه على ذلك فرجع مرة أخرى على الأستاذ وذكر قصته مع الشيخ فأخذ الأستاذ كتبه مع هذا الشخص الى الشيخ فأنكر الشيخ معارضته للفتوى وراجع زوجته ، ..وفي احد الأيام ارسل وزارة الأوقاف بكتاب رسمي للعلامة ملا عبدالله بالحضور عند وزير الأوقاف فذهب الأستاذ الى دمشق لمراجعة الوزير لكنه استقبل من قبل معاونه فقال للأستاذ هناك ثلاث تهم موجهة ضدك ولك حق ان تدافع عن نفسك
الأولى – أنك تخطب باللغة الكوردية في قامشلو وهذا يخالف القوانين والأنظمة المعمولة به
الثاني-أنك تقرأ القرآن باللغة الكوردية وهذا غير جائز لان القرآن نزل باللغة العربية .
الثالث- أنك تدعوا في كل خطبك يوم الجمعة بالدعاء لملا مصطفى البارزاني
فقام الأستاذ بالرد عليه فقال اما بالنسبة للتهمة الأولى سأسرد لك قصة حيث كان هناك أربع أخوة (بكر وعمر وعتمان وبابير ) فكان خطيب الجامع يقول في كل خطبة ( رضي الله عن أبو بكر وعمر وعثمان ..) وكان اهل القرية لا يعرفون التحدث بالعربية والاخوة الأربعة كانوا مقاطعين لبعضهم البعض ففي احد المرات قال بابير للخطيب : (يا ملا تحدث عني مرة واحدة كما تتحدث عن أخواتي الاخرون ..) فأنا كبيرهم ، فقال الملا هؤلاء أخوتك كل واحد أهداني ثلاثون رأس غنم ..فقال بابير أنا أيضا سأهديك مثلهم فارسل رؤوس الماشية الثلاثون الى حوش الملا في يوم الخميس وفي يوم الجمعة خطب الملا وفي نهاية الخطبة قال )بابير ..بابير كلب كبير وله خرطوم طويل وذنب قصير وليس له في خلق الله مثيل ..) ففرح باببير ظنا منه انه يمدحه ..فرد المؤذن على الملا وقال له : ( ملا ..ملا ..ما سمعنا هذا لا في القرآن ولا في التوراة ولا في الإنجيل فرد عليه الملا وقال له : (أسكت أسكت يسكتون الغنم ثلاثون لك عشر ولي عشرون )
ثم قال الأستاذ بالنسبة للتهمة الثانية استغرب من ذلك فأنا لم أسمع أن هناك قرآنا باللغة الكوردية بل بالعربية لكنني افسره بالكوردية كي يفهمه الحضور ، أما بالنسبة للتهمة الثالثة فأنا أدعوا للبارزاني ولكل من خدموا شعوبهم وأوطانهم ورفعوا عنهم الظلم والاستبداد ، والبارزاني من بين هؤلاء فهو خدم شعبه ما يقارب سبعون سنة ولم يكن في باله سوى خدمة القرآن الكريم حيث سأله مرة الرئيس العراقي عبدالسلام عارف ما هو طلبكم يا ملا فقال ليس لنا طلب او دعوى سوى تطبيق وتنفيذ تعاليم القرآن حيث أن الشعوب كلهم اخوة ولكل منهم حقوقهم فليكن الكورد والعرب أخوة يتعايشون معاً بمحبة وسلام وتعايش مشترك فقال معاون الوزير لقد أقنعتنا بحججك ودفاعك ارجع الى مدينتك.. ولكن بعد فترة وجيزة صدر قراررسمي من إدارة الأمن السياسي بالمنع من الخطابة ..وهناك في قضية طلاق جاء شخص من القرى العربية وسرد قصته انه تزوج بالشغار ( زواج المبادلة ) ولكن زوجة أحدهما هربت قبل الدخول والخلوة الصحيحة وقالت انها تكرهه ولن ترجع الا اذا تزوجت من ابنه وليس منه ، فذهبوا الى شيوخ الدين لكن بدون جدوى فأعطاهم الأستاذ الفتوى وهو أن زواج الشغار باطل ولا يجوز الزواج بالإكراه والعداوة وكتب لهم على ورقة مع الأدلة من نصوص العلماء والائمة ووقع عليها وختمه بختمه ، فقال لهم اذهبوا وخذوا الفتوى لكل علماء الدين فمن عارض الفتوى فليكتب الدليل والبرهان فذهبوا الى ان وصلوا الى الشيخ أحمد كفتارو مفتي سوريا آنذاك فصادق على الفتوى وزوجوا البنت لابنه وبدون شغار كل بنكاح ومهر جديد ، ووفي قضية أخرى حيث جاء اليه شخص طلق زوجته بالإكراه وتحت الضغط والتهديد وبحضور شيخ دين وثبت الطلاق في محكمة قامشلو فكتب الأستاذ له الفتوى أنه يجوز مراجعة زوجته لعدم حدوث الطلاق بسبب الاكراه وحكم محكمة قامشلو باطل فذهب بفتواه الى دمشق عند المفتي شيخ أحمد كفتارو فصادق عليه وذهب الى محكمة النقض عن طريق محامي وطعن في حكم محكمة قامشلو وراجع زوجته ، وفي احدى فتاويه المشهورة أن رجلا جاء اليه طالبا الفتوى حيث قال لزوجته وهو يأكل الصمون اذا انتهيت من أكل الصمون فأنت طالق ) فجلب الأستاذ له قطعة من الصمون وكأسا من اللبن وقال له الأستاذ كله ولا تبقي منه شيئاً ثم قال له : هل أكلت الصمون كله ولم يقع فتات الصمون على الأرض ؟ فقال بلى بقي بعض الفتات على الأرض ، فقال له الأستاذ اذاً لم يقع طلاقك فاذهب وراجع زوجتك فراجع زوجته بحكم الطعن الصادر من محكمة النقض ..
وفي معرض سؤال هام له حول مشروعية أتعاب المحامي شرعاً ، وهذا نصه : أحدهم قال لشخص آخر (محامي) إن أخرجت سجيني من السجن فلك كذا فهل يحل المال المعقود عليه لهذا الآخر لو خلصه كان سجنه بحق أو بغير حق و ما الفرق بين الحالتين ؟
وكان جواب الأستاذ :
( الحمد لله الذي هدانا و ما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله ، في الأنوار ج 1 ص/420/ :
)) و لو كان في حبس سلطان أو معزز فبذل مالاً لمن يتكلم في خلاصه جاز و هو جعالة مباحـة لا رشوة محرَّمة )) ، و في الأنوار ج2 ص/406/: (( يحرَّم على القاضي الرشوة أما باذل الرشوة فإن بذلها ليحكم له بغير الحق أو ليترك له الحكم بالحق عصى و إن بذلها ليصل إلى حقه فلا كفداء الأسير و للتوسط حكم موكلها )) و في الصفحة /407/ (( الفرق بين الهدية و الرشوة من وجهين أحدهما أن الرشوة هي التي يشترط على قابلها الحكم بغير الحق أو الامتناع عن الحكم بالحق و الهدية هي العطية المطلقة )) ، و في التحفة على الحاشية ج6 ص/365/ : (( و كقول من حبس ظلماً لمن يقدر على خلاصه و إن تعيَّن عليه على المعتمد (إن خلصتني فلك و كذا بشرط أن يكون في ذلك كلفة تقابل باجرة عرفاً ) قوله من حبس ظلماً مفهومه إذا حبس بحق لا يستحق ما جعل له و ينبغي أن يقال فيه تفصيل و هو أن المحبوس إن جاعل العامل على أن يتكلم مع من يطلقه على وجه جائز كأن يتكلم على أن ينظره الدائن إلى بيع غلاله مثلاً جاز له ذلك و استحق ما جعـــل له و إلا فلا و لو جعل لمن يمنــع عنـه المحتسـب و أعوانه في كل شهر كذا هو من الجعالة الفاسدة فيستحق أجرة المثل لما عمله ..و مثله في حاشيــة المنهج ج3 ص/239/ و الباجوري ج2 ص/33 -34/ : (( لو حبس ظلماً فبذل مالاً لمن يخلصه بجاهه أو غيره كعلم وولاية جاز لأن عدم التعيين صادق بكون العمل فرض كفاية )) و مثله إعانة الطالبين ج3 ص/123/.
الحاصـل من أقوال العلماء والأئمة :
1- أن للمظلوم أن يجاعل محامياً فيما فيه كلفة تقابل بمال فإن خلصه يستـحق الجعـل .
2-أن المسجون بحق يجـوز له ذلك بان يخلصه بوجه جائز كإخطار معسرٍ أو إمهاله فيستحق .
3-أن يجاعله على غير حق فيأثم الطرفان و الجعالة فاسدة و لكن للمحامي أجـرة مثل عمله .
4-أن ما يدفع للمحامي جعل و ليس رشوة لأنها التي تدفع ليحكم بغير الحق أو ليمتنع عن الحكم بالحق .
هذا يعني أن الأتعاب الذي يتلقاه المحامي للقيام بعمل ما كإخراج متهم من السجن و هذا المتهم بريء من الجرم المسند إليه أو قام بإنهاء عمل لشخص هولا يستطيع القيام بها بنفسه و أنجزه بشكل سليم فيستحق المحامي أجر ذلك اي أتعابه كاملة حسبما اتفقــوا عليه و هذه الأتعاب يسمى في الشرع الإسلامي (الجعالة ) والجعالة تختلف عن الرشوة التي تدفع لشخص له نفوذ أو القدرة على القيام بعمـــل و إنهاءه كالقاضي مثلاً فيحكم له بغير الحق أو يمتنع عن الحكم بالحق و الرشوة محرَّمة في الشرع الإسلامي تحريماً مطلقاً بدليل النص من القـرآن و السنــة النبوية و الراشي و المرتشي في النار كما ورد في حديث عن الرسول (ص)..) ، كان العديد من المحامين يشيرون بمواقف الأستاذ من بينهم الأساتذة نذير مصطفى وجميل ميركان وخليل ساسوني رحمهم الله جميعاً والمحامي الأستاذ القدير حاجي شاكر و آخرون لا أتذكر أسماؤهم ، وهناك العديد من الأمثلة والمسائل والقضايا الاجتماعية التي كانت تعرض عليه ويحسمها بكل سهولة ودراية وحكمة لسنا في معرض ذكره حتى لا يطيل الحديث فقد كان العلامة يدافع عن الحق ولا يخاف في الله لومة لائم وله مواقف كثيرة في العديد من المسائل يدافع عن حقوق المظلومين ويقف في وجه المستبدين وفي كل المجالس ولبيانه الحقيقة كان يتعرض للعديد من الضغوطات من قبل النظام السوري البائد وعملائه في المنطقة لكنه لم يتنازل عن مواقفه الثابتة رغم ما كان يعانيه من الوضع الصحي والمادي الصعب فأحياناً كان يمرض ويلزمه عملية جراحية لا يستطيع اجراءها لولا مساعدة أهل الخير من علماء الدين فكانوا يقدمون المساعدة له بدون مقابل ولوجه الله تعالى.. كان لديه العديد من المؤلفات كتبها باللغتين الكوردية والعربية ولم يكن لديه الإمكانية لطباعة حتى ولو كتاباً واحداً على الأقل ولم يتلقى المساعدة من أحد ليستطيع طباعتها بالرغم من الوعود الكثيرة من قبل بعض مؤسسات الطباعة والنشر في الخارج ووفاءاً لما قام به من جهود كبيرة لكتاباته نحاول طباعة كتبه القيمة التي ستغني به المكتبة الكوردية وتفيد القراء ويصبح مرجعاً ثقافياًوعلمياً لشعبنا ، رحم الله أستاذنا العلامة ملا عبدالله الغرزي وجعل مأواه في أعالي جنة الفردوس الأعلى .
المصادر :
-الفتاوى اليقينية – العلامة ملا عبدالله الغرزي (لم يطبع)
– (پێشمەرگە و دادوەرێ شۆرەشا بارزانی مەلا عەبدوللاهێ غەرزی ) – موحەمەد مەللا
-حوار مع قاض ثورة البارزاني العلامة ملا عبدالله الغرزي ) تقديم الصحفي إبراهيم اليوسف
-سير اعلام الكورد في سوريا –ج1وج2 د.علاءالدين جنكو



