دستور العراق - الجزء الثاني
المحامي محي الدين نعمان 
آخرون يقرأون الآن

الجزء الثاني: مآلات تجربة الدستور العراقي وانعكاساتها

منذ عام 1991 وحتى 2003، تمتع إقليم كوردستان بحكم ذاتي فعلي، ما مكّنه من تحقيق استقرار سياسي واقتصادي ملحوظ مقارنة ببقية العراق. وفي عام 1992، تبنّت الأحزاب الكوردية مسودة دستور نصّت على كركوك كعاصمة للإقليم، وأكّدت على حق تقرير المصير للشعب الكوردي.

عقب الغزو الأمريكي عام 2003، ووسط الفوضى العارمة، برز الإقليم كجهة مستقرة كان بإمكانها فرض شروطها الدستورية، إلا أن القيادة الكوردية فضّلت العودة الطوعية إلى بغداد دون استثمار اللحظة السياسية لتثبيت حقوق تقرير المصير بنصوص دستورية واضحة، ما ضيّع فرصة تاريخية لإنشاء أساس قانوني مُلزم لتلك المطالب.

الأطراف العراقية السياسية، السنة والشيعة، كانوا في وضع لا يُحسدون عليه نتيجة الخلافات بينهم وحاجة الجميع للكورد، وكانت حينها الفرصة مناسبة لخيارات عديدة أمام الكورد لصون حقوقهم، ومنها: تأكيد ضمانات أمريكية لإعلان استقلال كوردستان، إعلان استفتاء الاستقلال، أو فرض ما يتضمنه دستور كوردستان بحق الكورد في تقرير المصير ضمن دستور العراق لعام 2005.

لكن الكورد، وبسبب قلة حكمتهم السياسية والقانونية، دفعوا باتجاه العودة الطوعية إلى بغداد من دون استغلال الظروف، وجعلوا من أنفسهم جسراً عبر عليه الشيعة الذين كانوا يحلمون بالسلطة، دون أن يستفيدوا من تجربة قرن من الزمان، ليعيدوا نفس التجربة الفاشلة.

الدستور العراقي، الذي تم إقراره بمشاركة غالبية الشعب الكوردي، يحول دون حق الكورد في تقرير المصير، ويلزمهم بصيانة وحدة العراق. وبالتالي، فقد أدخلت القيادة السياسية الكوردية القضية الكوردية في نفق قانوني دستوري مظلم. كما أن الاستفتاء الذي حصل كان مخالفاً للدستور العراقي، ولم تُوفد أي دولة في العالم مراقباً واحداً لمتابعة عملية الاستفتاء، ما يعكس ضعفاً سياسياً وقانونياً بآلية عمل الدول.

الإطار الدستوري لعام 2005 وتحديات النص والتطبيق

أولاً: استفتاء إقليم كوردستان في 2017 وتحديات النص الدستوري

رغم مشاركة الكورد في صياغة دستور 2005، إلا أن النص أغفل الإشارة الصريحة إلى حق تقرير المصير، وكرّس وحدة العراق كالتزام دستوري على الإقليم. وبدلاً من استثمار الاستفتاء الذي جرى عام 2017 كمسار دستوري نحو الاستقلال، جاء خارج الإطار الدستوري وافتقر للشرعية الدولية، مما أضعف موقفه قانونياً، واقتصر على كونه أداة ضغط تفاوضي.

لم يكن الاستفتاء مُلزماً من الناحية الدستورية، لكنه مثّل تعبيراً ديمقراطياً عن الإرادة الجمعية لشعب الإقليم.

أثار هذا الحدث جدلاً دستورياً واسعاً، تمحور حول مدى مشروعية الاستفتاء في ضوء دستور العراق لعام 2005، خاصة أن الأخير لم يتضمن نصاً صريحاً يجيز الانفصال أو الاستقلال، لكنه أقرّ بحقوق المكونات وأتاح نظاماً فيدرالياً.

وقد احتجّت حكومة بغداد بعدم دستورية الاستفتاء، رغم أن الدستور ذاته خلا من نصّ يمنعه صراحةً.

وقد أشارت ديباجة الدستور العراقي إلى أن:

“الالتزام بهذا الدستور يحفظ للعراق اتحاده الحر شعباً وأرضاً وسيادةً.

يُفهم من هذا النص أن بقاء الاتحاد مشروط باحترام الدستور، وبالتالي فإن أي انتهاك جسيم لأحكامه قد يشكّل أساساً دستورياً للمطالبة بحل الاتحاد من قِبل الجهة المتضررة. إلا أن الطابع الضمني لهذا التفسير، وخاصة استخدام عبارة “قد يكون”، يفتح الباب أمام تأويلات قانونية متباينة، ويبرز الحاجة إلى نصوص صريحة تُقنّن حق تقرير المصير بوضوح، درءاً للغموض الدستوري.

إن هذا التناقض يعكس فجوة بنيوية في الدستور العراقي، حيث تم القبول بالفيدرالية كمفهوم سياسي، دون استكمال لوازمها القانونية والضامنة، لا سيما حين تتعارض الإرادة المركزية مع إرادة المكون المحلي.

المادة 67

رئيس الجمهورية هو رئيس الدولة ورمز وحدة الوطن، يمثل سيادة البلاد، ويسهر على ضمان الالتزام بالدستور، والمحافظة على استقلال العراق وسيادته ووحدته وسلامة أراضيه، وفقاً لأحكام الدستور.

المادة 109

تحافظ السلطات الاتحادية على وحدة العراق وسلامته واستقلاله وسيادته ونظامه الديمقراطي الاتحادي.

ثانياً: حق تقرير المصير بين النص الدولي والممارسة الكوردية

نصّ العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية في المادة (1) على:

لكل الشعوب الحق في تقرير مصيرها، ولها بمقتضى هذا الحق أن تقرر بحرية مركزها السياسي، وأن تواصل بحرية تنميتها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

لقد تطوّر حق تقرير المصير بعد عام 1945 من مبدأ سياسي إلى قاعدة آمرة في القانون الدولي، مدعومة بميثاق الأمم المتحدة (المواد 1، 55، 56) وقرارات الجمعية العامة 1514 (1960) و 2625، وأُقرّ في دساتير اتحادية مثل يوغسلافيا والاتحاد السوفييتي سابقاً.

إنّ حق تقرير المصير هو حق ثابت لجميع الشعوب التي تتوافر فيها شروط كينونة الشعب، سواء أكانت هذه الشعوب قد نالت الاستقلال ضمن دولة أم لا. وكذلك، فإن للأقاليم في الدول الاتحادية حق تقرير مصيرها بالانفصال عن الدولة الأم إذا توفرت فيها شروط كينونة الشعب.

ورغم غياب النص الداخلي الصريح في الدستور العراقي، إلا أن هذا لا يلغي إمكانية ممارسة الإقليم لحق تقرير المصير وفق قواعد القانون الدولي، خاصة في حال توافر شروط الانفصال العلاجي، كوسيلة للرد على انتهاكات جسيمة وممنهجة لحقوق مكون قومي.

ومن ذلك، السوابق القضائية الدولية، حالة كوسوفو.

الرأي الاستشاري الصادر عن محكمة العدل الدولية في 22 تموز 2010، بشأن إعلان استقلال كوسوفو، شكّل سابقة مهمة في هذا السياق، وقد أقرت المحكمة في رأيها ما يلي:

١- لا يُعد إعلان استقلال كوسوفو خرقاً لأحكام القانون الدولي.

٢- حق تقرير المصير هو حق لكل الشعوب، وليس محصوراً فقط بالشعوب المستعمَرة.

٣- حق تقرير المصير أعلى من مبدأ السلامة الإقليمية للدولة.

٤- مبدأ السلامة الإقليمية يُطبق في العلاقة بين الدول، وليس بين الدولة وأحد مكوناتها.

٥- إعلان الاستقلال في الدولة الفيدرالية، يمكن أن يكون من جانب واحد، من دون موافقة الحكومة الفيدرالية في المركز.

٦- أعترفت المحكمة بمبدأ الانفصال العلاجي (Remedial Secession) عندما يكون التعايش داخل دولة واحدة مستحيلاً.

ومع ذلك، لم يتمكن إقليم كوردستان من الاستفادة القانونية المباشرة من هذا الرأي، بسبب افتقاره لصفة الدولة أو العضوية في الأمم المتحدة، وغياب دولة أو هيئة دولية تتبنى قضيته، ما حال دون إحالة الاستفتاء إلى محكمة العدل الدولية أو منحه صفة النزاع القانوني الدولي.

كما أن الوضع القانوني لكوسوفو، التي كانت تحت وصاية أممية بموجب القرار 1244 ورافقتها انتهاكات موثقة لحقوق الإنسان، أضفى طابعاً دولياً لقضيتها، بخلاف كوردستان التي بقيت ضمن سيادة العراق ولم تحظَ بتوافق أو دعم دولي مماثل.

في الحالة الكوردية العراقية، لم يكن الاستفتاء خطوةً انفصالية فعلية، بقدر ما كان تعبيراً سياسياً عن الاحتجاج ضد التنصل المستمر من الالتزامات الدستورية من قبل بغداد، وخاصة فيما يخص تقاسم السلطة والثروة، وتفعيل المادة (140) المتعلقة بالمناطق المتنازع عليها.

ثالثاً: انعكاسات التجربة على الحالة الكوردية في سوريا

في ظل غياب دستور سوري جديد، واستمرار التهميش الدستوري للكورد، تبرز التجربة العراقية كمرجع مزدوج:

١- إيجابياً: تقدم النموذج العراقي تصوراً لإمكانية دسترة الحقوق القومية والفيدرالية، كما أن آليات الاعتراف بالإقليم في الدستور (المادة 117) تمثل سابقة يمكن الاستفادة منها في السياق السوري.

٢- سلبياً: تُحذّر التجربة من خطورة عدم وجود ضمانات دستورية ملزمة التنفيذ، وتُظهر هشاشة النصوص دون دعم سياسي فعلي من الأطراف المركزية.

رابعاً: نحو مقاربة دستورية أكثر واقعية للكورد في سوريا

استندت المحكمة الاتحادية العليا إلى المادتين 1 و 109 من الدستور لتقرير عدم دستورية استفتاء 2017، معتبرة أنه يفتقر للسند القانوني. إلا أن هذا القرار جاء في سياق تراكمي من انتهاك 63 مادة دستورية بحق الإقليم، مما يُضعف حيادية المحكمة ويعزز حجج الإقليم بالمظلومية الدستورية.

ووفقاً لذلك، فالحل الدائم والعادل للقضية الكوردية يستدعي تضمين دساتير الدول التي تضم وتحتل أجزاءً من كوردستان عدداً من المبادئ التي ينبغي أن تشكّل أساساً للمطالبة بحل دستوري عادل للقضية الكوردية في سوريا:

– الاعتراف الدستوري بالقومية الكوردية كمكوّن وطني أصيل.

– ⁠ تثبيت مبدأ الفيدرالية السياسية والجغرافية كخيارٍ دستوري، يتجاوز اللامركزية الإدارية الفضفاضة.

– ⁠ الاعتراف بحق الشعب الكوردي في تقرير مصيره مستقبلاً.

– ⁠ربط وحدة الدولة باحترام الحقوق الدستورية والقومية للكورد.

– ⁠ الحق في إجراء استفتاء إذا ما انتُهكت هذه الحقوق.

– ⁠ إخراج المستوطنين من إقليم غرب كوردستان.

– ⁠ ربط الاعتراف الدستوري بالاتفاقات الدولية التي تضمن حقوق الشعوب الأصلية في تقرير مصيرها، بما في ذلك إعلان الأمم المتحدة بشأن حقوق الشعوب الأصلية.

إن التجربة العراقية، بما فيها من إنجازات دستورية وانتكاسات تنفيذية، تشكّل مرآةً عاكسة لما يمكن أن تكون عليه ملامح الحل الكوردي في سوريا، والاستفادة منها تتطلب وعياً مزدوجاً.

يبقى أن نؤكد أن حل القضية الكوردية في سوريا على أسس دستورية واضحة، من خلال الفيدرالية السياسية، لا يرتبط بموقع جغرافي بعينه. فجميع العواصم التي تتمتع بتأثير دولي قد تشكّل منطلقاً للحل، كما أن المناطق الكوردية نفسها، مثل عفرين، كوباني، أو القامشلي، يمكن أن تكون مراكز للحوار السياسي والأحترام المتبادل، تماماً كما دمشق، التي لا يجب أن تُعتبر الموقع الحصري لذلك.

إن التجربة الكوردية في سوريا من حيث الاستقلالية توازي، بل تتكامل مع، تجربة جنوب كوردستان. وعليه، لا ينبغي التقليل أو الاستهانة بإمكانات القدرات الكوردية المختلفة، أو التسليم لسلطة الأمر الواقع في دمشق، خاصة في ظل هشاشتها وتعرضها لانتقادات دولية متزايدة نتيجة خلفياتها المرتبطة بالتطرف.

إن المرحلة الحالية تُمثل فرصة ثمينة لتعزيز الحقوق القومية، وصولاً إلى ممارسة حق تقرير المصير الكامل كخيار مشروع ومدعوم قانونياً، ولا يجوز تفويتها. وانطلاقاً من كل ما سبق، فإن الإعلان الدستوري يجب رفضه بالكامل جملةً وتفصيلاً، نظراً لما يتضمنه من إقصاء تام للقومية الكوردية وتجاهل لحقها المشروع في تقرير المصير.

كما أنه من الضروري أن تُطرح المطالب السياسية الكوردية بشكل واضح صريح، وقوي، دون مواربة.

مصادر البحث:

– دستور جمهورية العراق لعام 2005.

– ⁠ كتاب للتأريخ للسيد مسعود البارزاني.

• كتاب كوردستان، الوطن الذي لم يتكوّن للديبلوماسي السويدي إنكمار كارلسون.

• Ingmar Karlsson, Kurdistan- landet som icke är

المحامي محي الدين نعمان

: مآلات تجربة الدستور العراقي وانعكاساتها

منذ عام 1991 وحتى 2003، تمتع إقليم كوردستان بحكم ذاتي فعلي، ما مكّنه من تحقيق استقرار سياسي واقتصادي ملحوظ مقارنة ببقية العراق. وفي عام 1992، تبنّت الأحزاب الكوردية مسودة دستور نصّت على كركوك كعاصمة للإقليم، وأكّدت على حق تقرير المصير للشعب الكوردي.

عقب الغزو الأمريكي عام 2003، ووسط الفوضى العارمة، برز الإقليم كجهة مستقرة كان بإمكانها فرض شروطها الدستورية، إلا أن القيادة الكوردية فضّلت العودة الطوعية إلى بغداد دون استثمار اللحظة السياسية لتثبيت حقوق تقرير المصير بنصوص دستورية واضحة، ما ضيّع فرصة تاريخية لإنشاء أساس قانوني مُلزم لتلك المطالب.

الأطراف العراقية السياسية، السنة والشيعة، كانوا في وضع لا يُحسدون عليه نتيجة الخلافات بينهم وحاجة الجميع للكورد، وكانت حينها الفرصة مناسبة لخيارات عديدة أمام الكورد لصون حقوقهم، ومنها: تأكيد ضمانات أمريكية لإعلان استقلال كوردستان، إعلان استفتاء الاستقلال، أو فرض ما يتضمنه دستور كوردستان بحق الكورد في تقرير المصير ضمن دستور العراق لعام 2005.

لكن الكورد، وبسبب قلة حكمتهم السياسية والقانونية، دفعوا باتجاه العودة الطوعية إلى بغداد من دون استغلال الظروف، وجعلوا من أنفسهم جسراً عبر عليه الشيعة الذين كانوا يحلمون بالسلطة، دون أن يستفيدوا من تجربة قرن من الزمان، ليعيدوا نفس التجربة الفاشلة.

الدستور العراقي، الذي تم إقراره بمشاركة غالبية الشعب الكوردي، يحول دون حق الكورد في تقرير المصير، ويلزمهم بصيانة وحدة العراق. وبالتالي، فقد أدخلت القيادة السياسية الكوردية القضية الكوردية في نفق قانوني دستوري مظلم. كما أن الاستفتاء الذي حصل كان مخالفاً للدستور العراقي، ولم تُوفد أي دولة في العالم مراقباً واحداً لمتابعة عملية الاستفتاء، ما يعكس ضعفاً سياسياً وقانونياً بآلية عمل الدول.

الإطار الدستوري لعام 2005 وتحديات النص والتطبيق

أولاً: استفتاء إقليم كوردستان في 2017 وتحديات النص الدستوري

رغم مشاركة الكورد في صياغة دستور 2005، إلا أن النص أغفل الإشارة الصريحة إلى حق تقرير المصير، وكرّس وحدة العراق كالتزام دستوري على الإقليم. وبدلاً من استثمار الاستفتاء الذي جرى عام 2017 كمسار دستوري نحو الاستقلال، جاء خارج الإطار الدستوري وافتقر للشرعية الدولية، مما أضعف موقفه قانونياً، واقتصر على كونه أداة ضغط تفاوضي.

لم يكن الاستفتاء مُلزماً من الناحية الدستورية، لكنه مثّل تعبيراً ديمقراطياً عن الإرادة الجمعية لشعب الإقليم.

أثار هذا الحدث جدلاً دستورياً واسعاً، تمحور حول مدى مشروعية الاستفتاء في ضوء دستور العراق لعام 2005، خاصة أن الأخير لم يتضمن نصاً صريحاً يجيز الانفصال أو الاستقلال، لكنه أقرّ بحقوق المكونات وأتاح نظاماً فيدرالياً.

وقد احتجّت حكومة بغداد بعدم دستورية الاستفتاء، رغم أن الدستور ذاته خلا من نصّ يمنعه صراحةً.

وقد أشارت ديباجة الدستور العراقي إلى أن:

“الالتزام بهذا الدستور يحفظ للعراق اتحاده الحر شعباً وأرضاً وسيادةً.

يُفهم من هذا النص أن بقاء الاتحاد مشروط باحترام الدستور، وبالتالي فإن أي انتهاك جسيم لأحكامه قد يشكّل أساساً دستورياً للمطالبة بحل الاتحاد من قِبل الجهة المتضررة. إلا أن الطابع الضمني لهذا التفسير، وخاصة استخدام عبارة “قد يكون”، يفتح الباب أمام تأويلات قانونية متباينة، ويبرز الحاجة إلى نصوص صريحة تُقنّن حق تقرير المصير بوضوح، درءاً للغموض الدستوري.

إن هذا التناقض يعكس فجوة بنيوية في الدستور العراقي، حيث تم القبول بالفيدرالية كمفهوم سياسي، دون استكمال لوازمها القانونية والضامنة، لا سيما حين تتعارض الإرادة المركزية مع إرادة المكون المحلي.

المادة 67

رئيس الجمهورية هو رئيس الدولة ورمز وحدة الوطن، يمثل سيادة البلاد، ويسهر على ضمان الالتزام بالدستور، والمحافظة على استقلال العراق وسيادته ووحدته وسلامة أراضيه، وفقاً لأحكام الدستور.

المادة 109

تحافظ السلطات الاتحادية على وحدة العراق وسلامته واستقلاله وسيادته ونظامه الديمقراطي الاتحادي.

ثانياً: حق تقرير المصير بين النص الدولي والممارسة الكوردية

نصّ العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية في المادة (1) على:

لكل الشعوب الحق في تقرير مصيرها، ولها بمقتضى هذا الحق أن تقرر بحرية مركزها السياسي، وأن تواصل بحرية تنميتها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

لقد تطوّر حق تقرير المصير بعد عام 1945 من مبدأ سياسي إلى قاعدة آمرة في القانون الدولي، مدعومة بميثاق الأمم المتحدة (المواد 1، 55، 56) وقرارات الجمعية العامة 1514 (1960) و 2625، وأُقرّ في دساتير اتحادية مثل يوغسلافيا والاتحاد السوفييتي سابقاً.

إنّ حق تقرير المصير هو حق ثابت لجميع الشعوب التي تتوافر فيها شروط كينونة الشعب، سواء أكانت هذه الشعوب قد نالت الاستقلال ضمن دولة أم لا. وكذلك، فإن للأقاليم في الدول الاتحادية حق تقرير مصيرها بالانفصال عن الدولة الأم إذا توفرت فيها شروط كينونة الشعب.

ورغم غياب النص الداخلي الصريح في الدستور العراقي، إلا أن هذا لا يلغي إمكانية ممارسة الإقليم لحق تقرير المصير وفق قواعد القانون الدولي، خاصة في حال توافر شروط الانفصال العلاجي، كوسيلة للرد على انتهاكات جسيمة وممنهجة لحقوق مكون قومي.

ومن ذلك، السوابق القضائية الدولية، حالة كوسوفو.

الرأي الاستشاري الصادر عن محكمة العدل الدولية في 22 تموز 2010، بشأن إعلان استقلال كوسوفو، شكّل سابقة مهمة في هذا السياق، وقد أقرت المحكمة في رأيها ما يلي:

١- لا يُعد إعلان استقلال كوسوفو خرقاً لأحكام القانون الدولي.

٢- حق تقرير المصير هو حق لكل الشعوب، وليس محصوراً فقط بالشعوب المستعمَرة.

٣- حق تقرير المصير أعلى من مبدأ السلامة الإقليمية للدولة.

٤- مبدأ السلامة الإقليمية يُطبق في العلاقة بين الدول، وليس بين الدولة وأحد مكوناتها.

٥- إعلان الاستقلال في الدولة الفيدرالية، يمكن أن يكون من جانب واحد، من دون موافقة الحكومة الفيدرالية في المركز.

٦- أعترفت المحكمة بمبدأ الانفصال العلاجي (Remedial Secession) عندما يكون التعايش داخل دولة واحدة مستحيلاً.

ومع ذلك، لم يتمكن إقليم كوردستان من الاستفادة القانونية المباشرة من هذا الرأي، بسبب افتقاره لصفة الدولة أو العضوية في الأمم المتحدة، وغياب دولة أو هيئة دولية تتبنى قضيته، ما حال دون إحالة الاستفتاء إلى محكمة العدل الدولية أو منحه صفة النزاع القانوني الدولي.

كما أن الوضع القانوني لكوسوفو، التي كانت تحت وصاية أممية بموجب القرار 1244 ورافقتها انتهاكات موثقة لحقوق الإنسان، أضفى طابعاً دولياً لقضيتها، بخلاف كوردستان التي بقيت ضمن سيادة العراق ولم تحظَ بتوافق أو دعم دولي مماثل.

في الحالة الكوردية العراقية، لم يكن الاستفتاء خطوةً انفصالية فعلية، بقدر ما كان تعبيراً سياسياً عن الاحتجاج ضد التنصل المستمر من الالتزامات الدستورية من قبل بغداد، وخاصة فيما يخص تقاسم السلطة والثروة، وتفعيل المادة (140) المتعلقة بالمناطق المتنازع عليها.

ثالثاً: انعكاسات التجربة على الحالة الكوردية في سوريا

في ظل غياب دستور سوري جديد، واستمرار التهميش الدستوري للكورد، تبرز التجربة العراقية كمرجع مزدوج:

١- إيجابياً: تقدم النموذج العراقي تصوراً لإمكانية دسترة الحقوق القومية والفيدرالية، كما أن آليات الاعتراف بالإقليم في الدستور (المادة 117) تمثل سابقة يمكن الاستفادة منها في السياق السوري.

٢- سلبياً: تُحذّر التجربة من خطورة عدم وجود ضمانات دستورية ملزمة التنفيذ، وتُظهر هشاشة النصوص دون دعم سياسي فعلي من الأطراف المركزية.

رابعاً: نحو مقاربة دستورية أكثر واقعية للكورد في سوريا

استندت المحكمة الاتحادية العليا إلى المادتين 1 و 109 من الدستور لتقرير عدم دستورية استفتاء 2017، معتبرة أنه يفتقر للسند القانوني. إلا أن هذا القرار جاء في سياق تراكمي من انتهاك 63 مادة دستورية بحق الإقليم، مما يُضعف حيادية المحكمة ويعزز حجج الإقليم بالمظلومية الدستورية.

ووفقاً لذلك، فالحل الدائم والعادل للقضية الكوردية يستدعي تضمين دساتير الدول التي تضم وتحتل أجزاءً من كوردستان عدداً من المبادئ التي ينبغي أن تشكّل أساساً للمطالبة بحل دستوري عادل للقضية الكوردية في سوريا:

– الاعتراف الدستوري بالقومية الكوردية كمكوّن وطني أصيل.

– ⁠ تثبيت مبدأ الفيدرالية السياسية والجغرافية كخيارٍ دستوري، يتجاوز اللامركزية الإدارية الفضفاضة.

– ⁠ الاعتراف بحق الشعب الكوردي في تقرير مصيره مستقبلاً.

– ⁠ربط وحدة الدولة باحترام الحقوق الدستورية والقومية للكورد.

– ⁠ الحق في إجراء استفتاء إذا ما انتُهكت هذه الحقوق.

– ⁠ إخراج المستوطنين من إقليم غرب كوردستان.

– ⁠ ربط الاعتراف الدستوري بالاتفاقات الدولية التي تضمن حقوق الشعوب الأصلية في تقرير مصيرها، بما في ذلك إعلان الأمم المتحدة بشأن حقوق الشعوب الأصلية.

إن التجربة العراقية، بما فيها من إنجازات دستورية وانتكاسات تنفيذية، تشكّل مرآةً عاكسة لما يمكن أن تكون عليه ملامح الحل الكوردي في سوريا، والاستفادة منها تتطلب وعياً مزدوجاً.

يبقى أن نؤكد أن حل القضية الكوردية في سوريا على أسس دستورية واضحة، من خلال الفيدرالية السياسية، لا يرتبط بموقع جغرافي بعينه. فجميع العواصم التي تتمتع بتأثير دولي قد تشكّل منطلقاً للحل، كما أن المناطق الكوردية نفسها، مثل عفرين، كوباني، أو القامشلي، يمكن أن تكون مراكز للحوار السياسي والأحترام المتبادل، تماماً كما دمشق، التي لا يجب أن تُعتبر الموقع الحصري لذلك.

إن التجربة الكوردية في سوريا من حيث الاستقلالية توازي، بل تتكامل مع، تجربة جنوب كوردستان. وعليه، لا ينبغي التقليل أو الاستهانة بإمكانات القدرات الكوردية المختلفة، أو التسليم لسلطة الأمر الواقع في دمشق، خاصة في ظل هشاشتها وتعرضها لانتقادات دولية متزايدة نتيجة خلفياتها المرتبطة بالتطرف.

إن المرحلة الحالية تُمثل فرصة ثمينة لتعزيز الحقوق القومية، وصولاً إلى ممارسة حق تقرير المصير الكامل كخيار مشروع ومدعوم قانونياً، ولا يجوز تفويتها. وانطلاقاً من كل ما سبق، فإن الإعلان الدستوري يجب رفضه بالكامل جملةً وتفصيلاً، نظراً لما يتضمنه من إقصاء تام للقومية الكوردية وتجاهل لحقها المشروع في تقرير المصير.

كما أنه من الضروري أن تُطرح المطالب السياسية الكوردية بشكل واضح صريح، وقوي، دون مواربة.

مصادر البحث:

– دستور جمهورية العراق لعام 2005.

– ⁠ كتاب للتأريخ للسيد مسعود البارزاني.

• كتاب كوردستان، الوطن الذي لم يتكوّن للديبلوماسي السويدي إنكمار كارلسون.

• Ingmar Karlsson, Kurdistan- landet som icke är

المحامي محي الدين نعمان