دراسة في دستور جمهورية تركيا - الجزء الثالث  
المحامي محي الدين نعمان 
آخرون يقرأون الآن

الجزء الثالث 

الحق في تكوين نقابة 

المادة 51 – … لا يجوز تقييد الحق في إنشاء النقابات إلا بموجب قانون، ولأسباب تتعلق بالأمن الوطني، والنظام العام، ومنع الجريمة، والصحة العامة، والآداب العامة، وحماية حقوق الآخرين وحرياتهم. 

… لا يجوز أن تتعارض أنظمتها أو إدارتها أو عملياتها مع الخصائص الأساسية للجمهورية ومبادئ الديمقراطية. 

أ. حماية الشباب 

المادة 58 – تتخذ الدولة التدابير اللازمة لضمان تدريب وتنمية الشباب، الذين أوكلت إليهم مسؤولية الحفاظ على استقلالنا وجمهوريتنا، في ضوء العلم الإيجابي، وبما يتماشى مع مبادئ وإصلاحات أتاتورك، وضد الآراء التي تهدف إلى تقويض وحدة الدولة غير القابلة للتجزئة بأراضيها وأمّتها. 

ثالثاً: أحكام بشأن الأحزاب السياسية 

المادة 68 – … تُنشأ الأحزاب السياسية دون ترخيص مسبق، وتمارس نشاطها في حدود أحكام الدستور والقانون. 

لا يجوز أن تتعارض أنظمتها وبرامجها وأفعالها مع استقلال الدولة، ووحدتها الوطنية، وحقوق الإنسان، ومبادئ المساواة، وسيادة القانون، والسيادة الوطنية، ومبادئ الجمهورية الديمقراطية والعلمانية. ولا يجوز أن تهدف إلى الدفاع عن أو إقامة دكتاتورية طبقية أو جماعية… 

2. القسم 

المادة 81 – يؤدي أعضاء الجمعية الوطنية الكبرى لتركيا، عند توليهم مناصبهم، اليمين التالية: 

“أقسم بشرفي وكرامتي أمام الأمة التركية العظيمة أنني سأحمي وجود الدولة واستقلالها، وسلامة الوطن والأمة التي لا تقبل التجزئة، والسيادة غير المشروطة وغير المقيدة للأمة، وأنني سأظل مخلصاً لسيادة القانون، والجمهورية الديمقراطية والعلمانية، ومبادئ وإصلاحات أتاتورك، وأنني لن أحيد عن المثل الأعلى المتمثل في تمتع الجميع بحقوق الإنسان والحريات الأساسية، في إطار فهم السلام والازدهار في المجتمع، والتضامن الوطني والعدالة، وعن الولاء للدستور”. 

ج. القسم 

المادة 103 – يؤدي الرئيس، عند توليه مهام منصبه، اليمين التالية أمام مجلس الأمة التركي الكبير: 

“أقسم بشرفي وكرامتي أمام الأمة التركية العظيمة والتاريخ أنني، بصفتي رئيساً، سأحمي وجود الدولة واستقلالها، وسلامة الوطن والأمة التي لا تقبل التجزئة، والسيادة غير المشروطة للأمة، وأنني سأظل مخلصاً للدستور، وسيادة القانون، والديمقراطية، ومبادئ وإصلاحات أتاتورك، ومبدأ الجمهورية العلمانية، وأنني لن أحيد عن المثل الأعلى للسلام والازدهار للأمة، والتضامن الوطني، والعدالة، وأن يتمتع الجميع بحقوق الإنسان والحريات الأساسية، وأنني سأعمل بكل قوتي لحماية وتمجيد مجد وشرف جمهورية تركيا، والوفاء بالواجب الذي أقوم به بنزاهة”. 

د. الواجبات والصلاحيات 

المادة 104 – (تم تعديلها: 21/1/2017 – 6771/8 مادة) 

الرئيس، بصفته رئيساً للدولة، يمثل جمهورية تركيا ووحدة الأمة التركية، ويضمن تنفيذ الدستور وسير العمل المنظم والمتناغم لأجهزة الدولة. 

المادة 106 – يؤدي نواب الرئيس والوزراء اليمين أمام الجمعية الوطنية الكبرى التركية، وفقاً لما هو منصوص عليه في المادة 81. 

عند تأمل هذه المجموعة من المواد الدستورية، يبرز بوضوح توجّه ممنهج نحو ترسيخ مفاهيم محددة تتكرر في أكثر من مجال، بدءاً من حرية الصحافة وتكوين النقابات، مروراً بالأحزاب السياسية، وصولاً إلى نصوص القسم الرئاسي والنيابي. 

من أبرز هذه المفاهيم مفهوم “وحدة الدولة غير القابلة للتجزئة بأراضيها وأمّتها”، والذي يُستَخدم كإطار مرجعي جامع لتقييد أي فعل سياسي أو ثقافي قد يُفهم منه السعي نحو تقرير المصير أو مجرد التعبير عن هوية قومية مغايرة، لا سيما الهوية الكوردية. 

هذا التكرار اللافت في النصوص الدستورية، تحت مسمى حماية سلامة الدولة ووحدتها، يعكس بوضوح هاجس التحرر القومي، وهو أمر يُستشفّ من الإصرار على تضمين هذا المفهوم في مجالات لا يُفترض أن ترتبط بمسائل السيادة أو الوحدة الإقليمية، كحرية الإعلام وتكوين الجمعيات. وتجدر الإشارة إلى أن معظم الدساتير الحديثة لا تُكرّس هذا القدر من التكرار لنصوص الوحدة والسيادة، بل توازن بين هذه المبادئ وبين ضمان الحقوق الثقافية والقومية، كما يظهر في دساتير بلجيكا وكندا على سبيل المثال، لا الحصر. 

كما يلاحظ الاستخدام المتكرر لعبارة “الجمهورية الديمقراطية”، بما يتجاوز الإطار الوصفي، ليبدو وكأنه محاولة لتغليف منظومة حكم مركزية ذات طابع صارم، بلبوس ديمقراطي، قد لا يعكس واقع الممارسة السياسية فعلياً، خاصة في ظل التقييد الملموس للحريات الأساسية وحقوق الأقليات. 

كما يبدو أن تعبير ‘الأمة الديمقراطية’ لا يخرج عن إطار محاولة خطابية لصياغة مفهوم وحدوي حديث، يستند إلى ‘الأمة التركية’ كمرجعية ثقافية واحدة، مما يعزز توجهات التوحيد القومي بدلاً من قبول التعددية. 

ويُلاحظ غياب واضح لمبدأ التناسب (Principle of Proportionality)، الذي يُعد أحد أهم المبادئ القانونية لضبط العلاقة بين مقتضيات الأمن القومي وضمان الحقوق والحريات. 

في المحصلة، فإن هذا البناء الدستوري يعكس رؤية أحادية للهوية الوطنية، تقف حائلاً أمام الاعتراف بالتعددية القومية والثقافية داخل الدولة، وتقيّد فعلياً سبل التعبير عنها ضمن الحيز العام والمؤسساتي، وهو ما يتناقض مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان والمواطنة المتساوية. 

مجلس الأمن القومي 

المادة 118 – (عُدِّلت الفقرة الأولى: 3/10/2001 – المادة 4709/32) 

يتكوّن مجلس الأمن القومي من الرئيس بصفته رئيساً، ونائبيه، ووزراء العدل، والدفاع الوطني، والداخلية، والخارجية، ورئيس الأركان العامة، وقادة القوات البرية والبحرية والجوية. 

وبحسب طبيعة جدول الأعمال، يجوز دعوة الوزراء أو الأفراد المعنيين إلى اجتماعات المجلس، وأخذ آرائهم. 

(تم تعديل الجملة الأولى: 3/10/2001 – المادة 4709/32) 

يقدّم مجلس الأمن القومي تقريراً إلى الرئيس يتضمن التوصيات المتعلقة بتحديد وكشف وتنفيذ سياسة الأمن الوطني للدولة وضمان التنسيق اللازم. ويقيّم الرئيس هذه التوصيات، ويتخذ بشأنها ما يلزم من تدابير لحماية وجود الدولة واستقلالها، وسلامة البلاد ووحدتها، وسلامة المجتمع وأمنه. 

ثالثاً: إدارة الطوارئ 

المادة 119 – (تم تعديلها: 21/1/2017 – المادة 6771/12) 

لرئيس الجمهورية، في حالات الحرب، أو التهديد بوقوع حرب، أو التعبئة العامة، أو الانتفاضة، أو وجود تمرد فعّال ضد الوطن أو الجمهورية، أو انتشار أعمال عنف تهدد وحدة البلاد والأمة داخلياً أو خارجياً، أو أعمال عنف واسعة النطاق تستهدف النظام الدستوري أو الحقوق والحريات الأساسية، أو في حال حدوث إخلال خطير بالنظام العام نتيجة أعمال العنف… 

مؤسسات التعليم العالي 

المادة 130 – 

يمكن للجامعات وأعضاء هيئة التدريس ومعاونيهم القيام بحرية بجميع أنواع البحث العلمي والنشر. إلا أن هذه الحرية لا تشمل التصرف بما يخلّ بوجود الدولة واستقلالها وسلامة الوطن والأمة ووحدتهما. 

ج. مؤسسة أتاتورك العليا للثقافة واللغة والتاريخ 

المادة 134- 

(بصيغتها المعدلة في 16 أبريل 2017 – القانون رقم 6771) 

تُنشأ “مؤسسة أتاتورك العليا للثقافة واللغة والتاريخ” كشخصية اعتبارية عامة، بموجب المادة 17 من القانون رقم 5370 المؤرخ في 21 يونيو 2005، وذلك بغرض إجراء البحوث العلمية، وتعزيز ونشر فكر أتاتورك، ومبادئه وإصلاحاته، إلى جانب الثقافة التركية، والتاريخ التركي، واللغة التركية. 

تعمل المؤسسة تحت الرعاية المعنوية لأتاتورك، وبإشراف ودعم رئيس الجمهورية، وتخضع للوزير الذي يُعيّنه الرئيس. وتتكوّن من مركز أبحاث أتاتورك و مؤسسة اللغة التركية و مؤسسة التاريخ التركي و مركز أتاتورك الثقافي. 

تُخصّص الموارد المالية التي أوصى بها أتاتورك لكل من مؤسسة اللغة التركية ومؤسسة التاريخ التركي، وتُحفظ لهما وفقاً لما تقضي به وصيته. 

ويُنظّم القانون إنشاء مؤسسة أتاتورك وأجهزتها، وإجراءات عملها، وشؤونها الإدارية والوظيفية، إضافةً إلى سلطتها على المؤسسات التابعة لها. 

أولاً: رئاسة الشؤون الدينية 

المادة 136 – 

تتولى رئاسة الشؤون الدينية، التابعة للإدارة العامة، المهام المنصوص عليها في قانونها الخاص، وذلك وفقاً لمبدأ العلمانية، وابتعاداً عن كافة الآراء والأفكار السياسية، وتهدف إلى تحقيق التضامن والتكامل بين أبناء الأمة. 

الجزء السادس: الأحكام المؤقتة 

… وتتمثل مهام المجلس الرئاسي فيما يلي: 

أ) دراسة القوانين التي يقرها مجلس الأمة التركي الكبير، والمحالَة إلى الرئاسة، في ما يتعلق بالحقوق والحريات والواجبات الأساسية المنصوص عليها في الدستور، ومبدأ العلمانية، وحماية إصلاحات أتاتورك، والأمن القومي، والنظام العام… 

المادة 176 – تُدرج الديباجة التي تحدد المبادئ والأفكار الأساسية التي يقوم عليها الدستور ضمن نصه. 

المادة 177 – الجزء الثالث، الفقرة د: 

تدخل الواجبات والصلاحيات… وجميع الأحكام المتعلقة بالقضاء، باستثناء مؤسسة أتاتورك العليا للثقافة واللغة والتاريخ، وكذلك الأحكام المتعلقة بمحاكم أمن الدولة، حيز التنفيذ عند إعلان نتيجة الاستفتاء بقبول الدستور في الجريدة الرسمية. 

يتّضح من خلال بنية الدستور التركي وآليات الدولة الحديثة أن الفكر الأتاتوركي لم يُؤسّس كنموذج سياسي عابر، بل كعقيدة فوق دستورية، تتغلغل في مفاصل النظام التشريعي والمؤسساتي، وتُقدّم باعتبارها المرجعية العليا التي لا يجوز المساس بها. فمؤسسات الدولة، بما فيها التعليم العالي، مقيدة بسقف من “الوطنية المؤطّرة” التي تمنع الانحراف عن خط أتاتورك، ما يجعل حتى البحث العلمي مرتهناً لثوابت سياسية وأيديولوجية مضى عليها قرن من الزمن، ( المواد 130- 134). 

رغم أن الفكر الأتاتوركي يُعَدّ حجر الأساس في بناء الجمهورية، إلا أن استمراره كمرجعية مطلقة دون مراجعة أو مساءلة يعكس حالة من الجمود السياسي، تُشبه في بعض أوجهها “تحنيطاً مؤسساتياً” للفكر، مما يحول دون مواكبة التحولات المجتمعية والديمقراطية، ولا بتجاوز إرث أتاتورك، بل تجعل من أي محاولة لذلك تحدياً للدولة نفسها. 

إن ما يظهر على السطح كدستور عصري، يخفي في عمقه نظاماً أيديولوجياً مغلقاً، يقنن بقاء فكر واحد، ويصادر إمكانات التعدد والتطور. وبينما تسير دول عديدة نحو مراجعة تراثها التأسيسي بجرأة، يبدو أن تركيا ما زالت رهينة ظلّ مؤسسها، لا فقط كرمز، بل كمرجعية تُسيّر الحاضر وتتحكم بالمستقبل. 

على عكس النموذج التركي، تعاملت دول مثل فرنسا وألمانيا مع إرث نابليون وبسمارك بوصفه جزءاً من التاريخ السياسي، لا مرجعية فوق دستورية. فبسمارك، رغم مكانته كمُهندس الوحدة الألمانية، لم تُحوَّل أفكاره إلى عقيدة تُقيِّد الدولة والمجتمع، بل خضعت لمراجعة نقدية في إطار تطور النظام الديمقراطي. وهذا يُبرز الفارق في كيفية موازنة التقدير التاريخي مع قابلية التحديث. 

من الجدير بالذكر أن ثمة أصوات فكرية وسياسية داخل تركيا تُنادي منذ سنوات بضرورة إعادة النظر في مركزية الفكر الأتاتوركي، وفتح المجال أمام تعددية فكرية أكثر انسجاماً مع التحولات الديمقراطية ومتطلبات العصر. 

وفي الختام، أتمنى أن أكون قد وُفِّقت، من خلال تسليط الضوء على دستور جمهورية تركيا، في الإسهام بنشر المعرفة القانونية، وتقديم رؤية تحليلية تُبرز الحاجة إلى إعادة قراءة النص الدستوري برؤية مستقبلية، حتى لا يبقى الدستور حاجزاً حديدياً أمام حل القضية الكوردية، وفق مبادئ حقوق الإنسان وحق تقرير المصير. 

– المصادر: 

– معاهدة لوزان. 

– ⁠دستور جمهورية تركيا. 

– ⁠ اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الطفل. 

– إعلان الأمم المتحدة بشأن حقوق الشعوب الأصلية 

بقلم المحامي محي الدين نعمان