
يُعدّ #الدستور التركي أحد أبرز النماذج الدستورية التي تُؤطِّر لمركزية الهوية القومية الواحدة، وتُقصي التنوّع العرقي والثقافي داخل حدود الدولة. فقد وردت فيه، بشكل مباشر، أكثر من سبع عشرة مرة عبارات مثل “الأمة التركية”، و”وحدة الدولة التي لا تتجزأ”، إلى جانب التأكيد على “قومية أتاتورك”. وهذا التكرار المكثف لا يأتي عبثاً، بل يعكس توجّهاً أيديولوجياً راسخاً ينفي وجود أي مكونات قومية أخرى، وعلى رأسها #الشعب_الكوردي.
إن القضية الكوردية ليست مجرد قضية ثقافية أو مطلبية داخل الدولة التركية، بل هي قضية شعبٍ أصيلٍ تعرّض، على مدى قرنٍ من الزمن، لعمليات ممنهجة من الإنكار والصهر والاضطهاد، فقد تم تقسيم كوردستان بين أربع دول رئيسية بموجب قرارات استعمارية دولية، من دون إرادته. وفي شمال كوردستان، الواقع تحت سلطة الجمهورية التركية، لا يزال الشعب الكوردي يواجه تحديات قانونية وسياسية وجودية، نتيجة دستور يُؤَسِّس قانونياً لنفي هويتهم، وواقعٍ سياسيٍّ يُمارس التهميش والقمع ضد تطلعاتهم القومية.
في هذه الدراسة، أُسلّط الضوء على الدستور التركي باعتباره العائق الأبرز أمام أي تسوية سياسية عادلة، وأتناول ما يعانيه الشعب الكوردي في باكوري كوردستان من اضطهاد قانوني وسياسي، ومدى المأزق الدستوري الذي يُحاصرهم، بالإضافة إلى استشراف آفاق الحلول الممكنة.
إن الظلم التاريخي الواقع على الشعب الكوردي، والاحتلال التركي لأراضيه، يستدعي النظر في إمكانيات التحرر وفق أحد المسارين الآتيين:
المسار الأول هو النضال الوطني بكافة الوسائل، بما في ذلك الكفاح المسلح المشروع، في إطار حركة تحررية وطنية كوردستانية تهدف إلى إنهاء الاحتلال وإقامة الدولة الكوردية، استناداً إلى حق تقرير المصير، كما نصّت عليه المواثيق الدولية، ولا سيما العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، وقرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة.
أما المسار الثاني، فهو الحل السياسي الداخلي القائم على الاعتراف الدستوري بالهوية القومية الكوردية، ضمن نظام فيدرالي ثنائي القومية بين الكورد والأتراك، على أساس المساواة الكاملة والعيش المشترك. إلا أن هذا الخيار السلمي يصطدم بجدار دستوري صلب، حيث تنص أكثر من سبع عشرة مادة على مبادئ تُقدّس الأمة التركية ووحدة الدولة التي لا تتجزأ، وتُقصي تماماً الهوية القومية الكوردية، مع تثبيت “قومية أتاتورك” كمبدأٍ مؤسِّسٍ للجمهورية، رغم أن هذه الدولة ضمّت أكبر أجزاء كوردستان، وفرضت سيادتها بالإذعان، وليس بإرادة الشعب الكوردي.
لذلك، فإن أي حل داخلي جاد يتطلب ثورة قانونية ودستورية شاملة تُعيد صياغة المبادئ المؤسسة للدولة على أسس ديمقراطية وتعددية حقيقية، وهو مسار يبدو اليوم بعيد المنال في ظل العقلية الإنكارية السائدة في البنية العسكرية والسياسية والدستورية للدولة التركية.
ولكي يتمكّن النضال الكوردي من تحقيق أهدافه الوطنية المشروعة، لا بد من مراجعة شاملة للخطاب السياسي والاستراتيجي، وتفادي الخطوات المتسرعة التي تفتقر إلى الأسس القانونية السليمة في تقرير المصير والدعم الدولي. كما يجب التأكيد على ضرورة وجود ضمانات دولية ورعاية أممية لأي حل سياسي ودستوري دائم.
أما ما دون هذين المسارين الواقعيين، فستبقى القضية رهينة الشعارات والطروحات النظرية غير القابلة للتحقيق، والتي قد تُفضي إلى مآزق جديدة تُهدّد جوهر القضية الكوردية وتُعيد إنتاج معاناتها بأشكال مختلفة.
واستناداً إلى ما تقدّم، سوف أتناول في ما يلي المواد الدستورية التي تُشكّل معضلة حقيقية أمام الوصول إلى حل عادل وشامل للقضية الكوردية.
دستور جمهورية تركيا
رقم القانون: 2709
تاريخ القبول: 18/10/1982
نُشر في الجريدة الرسمية بتاريخ: 9/11/1982
الديباجة:
يُحدد هذا الدستور الوجود الأبدي للوطن والأمة التركية، والوحدة غير القابلة للتجزئة للدولة التركية المجيدة، ويتماشى مع فهم القومية، وإصلاحاتها، ومبادئها التي حددها مؤسس جمهورية تركيا، الزعيم الخالد والبطل الذي لا مثيل له، أتاتورك.
وباعتبارنا عضواً مشرفاً يتمتع بحقوق متساوية في عائلة الأمم العالمية، فإننا عازمون على ضمان الوجود الأبدي، والازدهار، والسعادة المادية والروحية للجمهورية التركية، والوصول إلى مستوى الحضارة المعاصرة.
تقوم السيادة على الإرادة المطلقة للشعب، وتعود دون قيد أو شرط إلى الأمة التركية، ولا يجوز لأي شخص أو منظمة مخولة باستخدامها نيابة عن الأمة أن تتجاوز مبادئ الديمقراطية الليبرالية، كما هي مبيّنة في هذا الدستور والنظام القانوني الذي تحدده متطلباته.
لا يمكن حماية أي نشاط يتعارض مع المصالح الوطنية التركية، والوجود التركي، وعدم قابلية الدولة والأراضي للتجزئة، أو القيم التاريخية والروحية للهوية التركية، وقومية أتاتورك، ومبادئه وإصلاحاته وحضارته. وكما يقتضي مبدأ العلمانية، لا يجوز أبداً خلط المشاعر الدينية المقدسة بشؤون الدولة والسياسة.
الجزء الأول
المبادئ العامة
أولاً: شكل الدولة
المادة 1: دولة تركيا جمهورية.
ثانياً: خصائص الجمهورية
المادة 2: الجمهورية التركية دولة ديمقراطية، علمانية، اجتماعية، تحكمها سيادة القانون، وتحترم حقوق الإنسان، ومخلصة لقومية أتاتورك، وتقوم على المبادئ الأساسية المنصوص عليها في الديباجة، مع الالتزام بفهم السلام الاجتماعي، والتضامن الوطني، والعدالة.
ثالثاً: سلامة الدولة واللغة الرسمية والعلم والنشيد الوطني والعاصمة
المادة 3: الدولة التركية، بأراضيها وشعبها، هي كيان لا يتجزأ.
لغتها الرسمية هي التركية.
علمها هو العلم الأحمر الذي يتوسطه هلال ونجمة أبيضان، كما هو محدد شكله في القانون.
نشيدها الوطني هو “مسيرة الاستقلال”.
عاصمتها أنقرة.
رابعاً: الأحكام التي لا يمكن تغييرها
المادة 4: لا يجوز تغيير أو اقتراح تغيير الأحكام الواردة في المادة الأولى بشأن شكل الدولة، باعتبارها جمهورية، والمادة الثانية بشأن خصائص الجمهورية، والأحكام الواردة في المادة الثالثة.
المادة 5: الأهداف والواجبات الأساسية للدولة هي حماية استقلال وسلامة الأمة التركية، وعدم تجزئة البلاد، وصون الجمهورية والديمقراطية، وضمان رفاهية وسلام وسعادة الأفراد والمجتمع. كما تهدف الدولة إلى إزالة العوائق السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تحد من الحقوق والحريات الأساسية للفرد بما يتعارض مع مبادئ العدالة والحالة الاجتماعية التي يحكمها حكم القانون، وتوفير الظروف المناسبة لتطور الوجود المادي والروحي للفرد.
سادساً: السيادة
المادة 6: #السيادة للأمة دون قيد أو شرط.
تمارس الأمة التركية سيادتها من خلال الهيئات المختصة، وفقاً للمبادئ المنصوص عليها في الدستور.
ولا يجوز تحت أي ظرف من الظروف أن تُفوَّض ممارسة السيادة لأي فرد أو جماعة أو طبقة. ولا يجوز لأي شخص أو هيئة ممارسة أي سلطة من سلطات الدولة لا تستمد مصدرها من الدستور.
(طبعاً، تمارس السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية نيابةً عن الأمة التركية)
عاشراً: #المساواة أمام القانون
المادة 10: جميع الناس متساوون أمام القانون، دون تمييز بسبب اللغة، أو العرق، أو اللون، أو الجنس، أو الرأي السياسي، أو المعتقد الفلسفي، أو الدين، أو المذهب، أو ما شابه ذلك.
(فقرة إضافية: 7/5/2004 – 5170/1 مادة)
تتمتع المرأة والرجل بحقوق متساوية، وتقع على عاتق الدولة مسؤولية ضمان تطبيق هذه المساواة فعلياً.
الجزء الثاني
الحقوق والواجبات الأساسية
الفصل الأول
الأحكام العامة
أولاً: طبيعة الحقوق #والحريات الأساسية
المادة 12: لكل إنسان حقوق وحريات أساسية لا يجوز المساس بها أو التصرف فيها أو الاستغناء عنها، وهي ملازمة لشخصه.
وتشمل الحقوق والحريات الأساسية ايضاً واجبات ومسؤوليات الفرد تجاه المجتمع وأسرته والآخرين.
ثانياً: تقييد الحقوق والحريات الأساسية
المادة 13 (تم تعديلها: 3/10/2001 – 4709/2 مادة)
لا يجوز تقييد الحقوق والحريات الأساسية إلا بموجب قانون، دون المساس بجوهرها، ولأسباب محددة في المواد ذات الصلة من الدستور. ولا يجوز أن تتعارض هذه القيود مع نص وروح الدستور، أو مع متطلبات النظام الديمقراطي الاجتماعي، أو الجمهورية العلمانية، أو مبدأ التناسب.
ثالثاً: عدم إساءة استخدام الحقوق والحريات الأساسية
المادة 14 (تم تعديلها: 3/10/2001 – 4709/3 مادة)
لا يجوز استخدام أي من الحقوق والحريات الواردة في الدستور في أنشطة تهدف إلى تقويض وحدة الدولة غير القابلة للتجزئة بأراضيها وشعبها، أو القضاء على الجمهورية الديمقراطية والعلمانية القائمة على حقوق الإنسان…
رابعاً: تعليق استخدام الحقوق والحريات الأساسية
المادة 15: في حالة الحرب، أو التعبئة، أو حالة الطوارئ، يجوز تعليق ممارسة الحقوق والحريات الأساسية جزئياً أو كلياً بالقدر الذي تقتضيه الحالة، أو اتخاذ تدابير تتعارض مع الضمانات المنصوص عليها في الدستور، بشرط عدم الإخلال بالالتزامات الناشئة عن القانون الدولي.
… لا يجوز إجبار أحد على الإفصاح عن دينه أو ضميره أو آرائه، ولا يجوز اتهامه بناءً عليها.
لا تطبق العقوبات بأثر رجعي، ولا يُعد أي شخص مذنباً إلا بناءً على إثبات إدانته بحكم قضائي.
الفصل الثاني
#حقوق وواجبات الفرد
أولاً: حرمة الشخص ووجوده المادي والروحي
المادة 17: لكل إنسان الحق في الحياة، وفي حماية وتنمية وجوده المادي والروحي.
… لا يجوز تعذيب أحد، أو إهانته، أو إخضاعه لعقوبة أو معاملة تمس كرامته الإنسانية.
سادساً: حرية الدين والضمير
المادة 24: لكل شخص حرية الضمير، والمعتقد الديني، والرأي.
العبادة والاحتفالات والطقوس الدينية حرة، بشرط ألا تتعارض مع أحكام المادة 14.
يتبع الجزء الثاني …….
بقلم المحامي محي الدين نعمان




