
#حقوق الشعب الكردي في سوريا في ضوء الإعلان الدستوري و مدى توافق الدستور مع مبادئ #حق_تقرير_المصير و الحقوق القومية وفقاً للقانون الدولي
مقدمة
حق تقرير المصير هو مبدأ أساسي في القانون الدولي ينص على حق الشعوب في اختيار وضعها السياسي و تحديد شكل الحكم الذي تريده بحرية دون تدخل خارجي.
هذا الحق مكفول في عدة مواثيق دولية أبرزها:
الميثاق الأممي (1945)
– المادة 1 (2) تؤكد على تطوير العلاقات الودية بين الأمم على أساس احترام المبدأ الذي يقضي بالمساواة في الحقوق و تقرير المصير للشعوب .
العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية و السياسية (1966)
– المادة 1 تؤكد أن لجميع الشعوب حق تقرير مصيرها بنفسها .
العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية (1966)
– المادة 1 تنص على نفس الحق.
إعلان الجمعية العامة للأمم المتحدة بشأن منح الاستقلال للبلدان و الشعوب المستعمرة (1960)
– يوضح أن الاستعمار يتعارض مع حق تقرير المصير.
ما الذي يتضمنه حق تقرير المصير؟
———————————————
تحديد الوضع السياسي:
– اختيار نظام الحكم (ديمقراطي، فيدرالي، حكم ذاتي، أو حتى الاستقلال الكامل).
– تقرير العلاقة مع الدولة المركزية، سواء بالبقاء ضمنها أو الانفصال.
إدارة الشؤون الداخلية:
– تأسيس مؤسسات سياسية و إدارية خاصة بالشعب المعني.
– وضع قوانين تحترم خصوصيته الثقافية و الاجتماعية.
– ممارسة الحكم الذاتي ضمن الدولة أو إنشاء كيان مستقل.
الحفاظ على الهوية الثقافية و اللغوية:
– استخدام اللغة الأم في التعليم و الإعلام و الإدارة العامة.
– حماية التراث الثقافي و الديني من التمييز أو الطمس.
– الاعتراف الرسمي بالخصوصية القومية داخل الدولة.
التحكم بالموارد الطبيعية والاقتصادية:
– الحق في إدارة الموارد الموجودة في مناطقهم.
– توزيع عادل للثروات بما يضمن التنمية الاقتصادية للشعب.
أنواع حق تقرير المصير:
——————————
تقرير المصير الخارجي (التحرر و الاستقلال):
يُمارَس في حالات مثل:
– إنهاء الاستعمار (كما حدث في أفريقيا و آسيا خلال القرن العشرين).
– في حالات القمع الشديد و الحرمان من الحقوق داخل الدولة.
– عندما يصبح العيش ضمن الدولة مستحيلًا بسبب سياسات الإبادة أو الاضطهاد العرقي.
مثال:استقلال جنوب السودان عن السودان عام 2011.
تقرير المصير الداخلي (الحكم الذاتي داخل الدولة):
– الاعتراف بالشعب ككيان قومي داخل الدولة.
– منح حكم ذاتي أو فيدرالية تتيح لهم إدارة شؤونهم دون انفصال.
مثال:إقليم كتالونيا في إسبانيا، و إقليم كردستان العراق.
تطبيق حق تقرير المصير على الشعب الكردي في سوريا:
————————
– يحق للشعب الكردي المطالبة بـالحكم الذاتي أو حكم فيدرالي ضمن سوريا، وفقاً للمواثيق الدولية.
– لهم الحق في تقرير علاقتهم بالدولة السورية سواء بالبقاء ضمنها بنظام ديمقراطي عادل أو المطالبة باستقلالهم في حال استمرار التمييز ضدهم.
– يجب أن يتمتعوا بحقوقهم السياسية، اللغوية، و الثقافية دون قمع أو إقصاء.
إن حق تقرير المصير لا يعني دائما الانفصال، لكنه يضمن للشعوب الأصلية و القوميات الحق في اختيار شكل حكمها و إدارة شؤونها بما يحقق العدالة والمساواة .
الشعب الكردي شعب أصيل في سوريا
—————————————————
الكرد ليسوا مجرد إقليم جغرافي داخل سوريا، بل هم شعب أصيل له وجود تاريخي و جغرافي ممتد عبر عدة دول بما فيها سوريا و يمتلكون لغة، ثقافة، و هوية قومية متميزة.
و بالتالي فإن التعامل معهم كـ”مجرد أقلية” أو “مجموعة سكانية” داخل الدولة لا يعكس الواقع التاريخي و لا الحقوق التي يكفلها القانون الدولي للشعوب الأصلية و القوميات.
التحديات التي يواجهها الشعب الكردي في سوريا:
————————
– التهميش اللغوي و الثقافي: على الرغم من أن الشعب الكردي يشكل نسبة كبيرة من سكان سوريا، فإن لغته غير معترف بها رسميا و لم يُسمح له تاريخيا بتعليمها أو استخدامها في المؤسسات الحكومية.
– غياب التمثيل السياسي الحقيقي: تم تهميش الحركات السياسية الكردية و لم يُسمح لهم بالمشاركة في الحكم بشكل يتناسب مع حجمهم و حقوقهم القومية.
-التمييز القانوني: مثل سياسات الإحصاء السكاني عام 1962التي حرمت عشرات الآلاف من الكرد من الجنسية السورية مما أثر على حقوقهم المدنية لعقود.
الحل العادل في أي دستور قادم
—————————————-
-أن يكون دستورا يعترف بالتعددية القومية: يجب أن يعترف الدستور السوري بالقومية الكردية كجزء أصيل من النسيج الوطني و ليس مجرد “أقلية”.
– يجب الاعتراف باللغة الكردية كلغة رسمية: إلى جانب العربية، بما يضمن حق التعليم و النشر و الإعلام الكردي.
– اللامركزية الإدارية و السياسية: بما يسمح للكرد بإدارة شؤونهم محليا ضمن إطار الدولة السورية.
خلاصة القول
الكرد في سوريا ليسوا مجرد إقليم أو أقلية، بل *شعب أصيل*له حقوق قومية يجب أن تُحترم وفق القوانين الدولية و أي نظام ديمقراطي حقيقي في سوريا يجب أن يضمن هذه الحقوق دون تمييز أو إقصاء.
الإعلان الدستوري و مدى توافق الدستور مع مبادئ حق تقرير المصير و الحقوق القومية وفقاً للقانون الدولي
———————————-
أولاً: تحليل الإعلان الدستوري من منظور حقوق القوميات و حق تقرير المصير
هل يتعارض اسم الدولة مع حقوق الكرد؟
وفقًا للمواثيق الدولية، مثل العهد الدولي للحقوق المدنية و السياسية (المادة 27) و إعلان الأمم المتحدة لحقوق الأقليات (1992)، يجب على الدول الاعتراف بحقوق القوميات الأصلية بما في ذلك الهوية، اللغة و الثقافة .
1- عندما يكون اسم الدولة مقصورا على هوية قومية واحدة فهذا يعكس توجها أيديولوجيا إقصائيا يتجاهل الهويات القومية الأخرى.
مثال على ذلك في دول مثل إثيوبيا، بلجيكا أو كندا لا يرتبط اسم الدولة بقومية محددة مما يعكس احترامًا للتعددية القومية.
2- الوحدة الوطنية مقابل حق تقرير المصير
3- المادة ١ تؤكد أن “سوريا وحدة جغرافية و سياسية لا تتجزأ”
المادة ٧ تجرّم “دعوات التقسيم و الانفصال”.
– هذا يعكس توجها صارما ضد أي شكل من أشكال تقرير المصير الخارجي (الانفصال)
٣- الاعتراف بالتنوع القومي و الحقوق الثقافية
– المادة ٧ (٣) تنص على أن “الدولة تكفل التنوع الثقافي للمجتمع السوري بجميع مكوناته و الحقوق الثقافية و اللغوية لجميع السوريين”.
– هذه المادة لا تنص و لا تحدد آليات واضحة لضمان هذه الحقوق مثل الاعتراف باللغة الكردية أو ضمان تمثيل سياسي خاص للكرد.
٤- اللغة و الهوية القومية
– المادة ٤ تنص على أن “اللغة العربية هي اللغة الرسمية للدولة” دون أي إشارة إلى اللغة الكردية و اللغات الأخرى.
– الإعلان لم يعترف بالكرد كقومية و لم يقر أي وضع قانوني خاص للغتهم أو ثقافتهم ما يعكس نقصا في الاعتراف بالتعددية القومية الحقيقية .
٥- الحقوق السياسية للكرد
– المادة ١٤ تضمن تشكيل الأحزاب على “أسس وطنية” لكنها لا تذكر حقوق القوميات في تشكيل أحزاب قومية.
– المادة ١٠ تنص على “المساواة أمام القانون دون تمييز” لكن المساواة الشكلية لا تكفي ما لم يكن هناك اعتراف بالهوية القومية و ضمانات للحقوق القومية .
٦- اللامركزية و الحكم الذاتي
– الإعلان لم يشر إلى أي نظام لامركزي سواء حكم ذاتي أو فيدرالي ما يعني أن النموذج الذي تطرحه لا يعترف بأي صيغة للحكم الذاتي الكردي داخل سوريا.
ثانيًا: التناقضات مع القانون الدولي
١- عدم الاعتراف بحق تقرير المصير الداخلي
– وفقا للمادة ١ من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية و السياسية لكل الشعوب الحق في تقرير مصيرها و الذي قد يكون عبر الحكم الذاتي داخل الدولة.
– الإعلان لا يقدم أي آلية لتحقيق هذا الحق، مما يجعله متعارضا مع التزامات سوريا الدولية.
٢- غياب الاعتراف باللغة و الثقافة الكردية
– الاتفاقيات الدولية لحقوق الأقليات، مثل إعلان الأمم المتحدة بشأن حقوق الأشخاص المنتمين إلى أقليات قومية أو إثنية (1992) تفرض على الدول احترام اللغات و الثقافات القومية.
– الإعلان لا يعترف بالشعب الكردي كقومية و لا يقر أي حقوق لغوية لهم مما يشكل خرقًا لمعايير القانون الدولي.
٣- عدم معالجة المظالم التاريخية للشعب الكردي
– الإعلان لم يذكر أي إجراءات لإنصاف الكرد من التمييز التاريخي مثل التجريد من الجنسية عام 1962 أو حظر اللغة الكردية.
– المادة ٤٨ تتحدث عن ” إلغاء القوانين الاستثنائية” لكن دون إشارة إلى قضايا محددة تخص الكرد.
ثالثاً: هل هناك إمكانية لتحقيق مطالب الشعب الكردي ضمن هذا الدستور؟
١- السيناريو المتشدد (الوضع الحالي للإعلان الدستوري)
– إذا تم تطبيق الإعلان كما هو فلن يكون هناك اعتراف رسمي بالكرد كقومية و لن يكون هناك حكم ذاتي أو فيدرالي لهم.
– ستبقى الدولة مركزية تماما و سيتم التعامل مع الكرد كمجموعة سكانية و ليس كقومية لها حقوق خاصة.
٢- السيناريو التوافقي (تعديلات دستورية)
لكي يتوافق الدستور مع مطالب الكرد و القانون الدولي يجب إجراء تعديلات أساسية مثل:
– الاعتراف بالكرد كقومية أصيلة داخل سوريا مع ضمان تمثيلهم السياسي.
– إدراج الكردية كلغة رسمية ثانية على الأقل في المناطق الكردية روجافا.
– تبني نظام لامركزي يتيح الحكم الذاتي للمناطق الكردية روجافا دون المساس بوحدة الدولة.
– ضمان العدالة الانتقالية للكرد عبر تعويض المتضررين من سياسات التمييز السابقة.
٤- السيناريو التصعيدي (في حال رفض التعديلات)
– إذا تمسك الدستور بمركزيته و عدم اعترافه بالكرد كقومية فقد تتزايد النزعات الاستقلالية.
– الكرد قد يطالبون بتطبيق تقرير المصير الخارجي وفقًا للقانون الدولي إذا استمرت الدولة في إنكار حقوقهم القومية.
في النهاية
الإعلان الدستوري الحالي لا يحقق مطالب الكرد لأنه:
لا يعترف بهم كقومية.
لا يمنحهم أي حقوق ثقافية أو لغوية خاصة.
لا يقر أي شكل من أشكال الحكم الذاتي.
بقلم المحامي
زكريا شيخ أحمد




