
يرى الكاتب في هذا البحث أن اللامركزية السياسية، أو ما يُعرف بالفيدرالية، تُعدُّ إحدى الآليات الحديثة لإدارة الدول، إذ تُسهم في توزيع السلطات بشكل يضمن مشاركة شعبية فعّالة في إدارة الشؤون العامة. ويؤكد أن اللامركزية السياسية، إذا طُبقت بشكل صحيح، يمكن أن تُسهم في معالجة الأزمات المزمنة التي تعاني منها سورية، وأنها قد تمثّل مخرجاً من الأزمات الناتجة عن الأنظمة الاستبدادية التي حكمت البلاد لعقود. ويشرح الباحث الفرق بين اللامركزية الإدارية، التي تقوم على تفويض إداري محدود من المركز للسلطات المحلية، واللامركزية السياسية التي توزّع السلطات بشكل أكبر بين الحكومة المركزية والأقاليم.
ويستعرض الكاتب تجربة الإدارة الذاتية الديمقراطية في شمال وشرق سورية، موضحًا أنها بدأت بإعلان رسمي للإدارة الذاتية عام 2014 في مناطق الجزيرة وكوباني وعفرين، حيث أُنشئت هياكل إدارية تتضمن مجلسًا عاماً ومجالس محلية ومجلساً تنفيذياً. ويشير الباحث إلى أن هذه الإدارة سعت إلى توفير التعليم والخدمات وتطوير الاقتصاد المحلي، مستندة في إيراداتها إلى الضرائب والنفط والتجارة. كما يلفت النظر إلى مشاركة مكونات المجتمع السوري المختلفة (الكرد، العرب، السريان) في هذه التجربة.
ويشير الباحث إلى أن النظام الفيدرالي يمتاز بضمان حقوق الأقليات، وتقليل العبء على المركز، وزيادة فعالية الإدارة، لكنه لا يخلو من عيوب، مثل ازدواجية السلطات، وتضارب القوانين، وصعوبة التنسيق بين مختلف الأقاليم. و يوصي الكاتب باعتماد الفيدرالية في سورية على أسس جغرافية وليس عرقية، ويقترح تقسيم البلاد إلى خمس مناطق فيدرالية.
كما يرى ضرورة إجراء دراسات علمية وندوات لتوعية السوريين بفوائد الفيدرالية وتبديد مخاوفهم. ويشدد على أهمية الحوار مع النظام السوري لدمج تجربة الإدارة الذاتية في الدولة السورية بشكل دستوري وقانوني، مع ضمان احترام حقوق جميع المكونات. ويحذر أيضًا من طرح قضايا حساسة أو خلافية قبل تثبيت الاستقرار وتحقيق التوافق المجتمعي، كما يوصي بدعم المشاريع الاقتصادية التي من شأنها أن تعزز الاستقلال المالي للإدارة الذاتية وتدعم التنمية.
ويختتم الكاتب بالتأكيد على أن نجاح أي تجربة ديمقراطية في سورية مرهون بتكامل الهياكل الديمقراطية ودمج الإدارة الذاتية في الدولة السورية بشكل قانوني يضمن مشاركة الجميع في إدارة البلاد وبناء مستقبل مستقر وديمقراطي.




