الإعلان الدستوري
المحامي محي الدين نعمان 
آخرون يقرأون الآن

الإعلان الدستوري – 13 مارس 2025 

في الثالث عشر من مارس 2025، أُعلن عن “الإعلان الدستوري” كإطار ناظم للمرحلة الانتقالية المقبلة في سوريا، وسط ظروف سياسية وأمنية معقدة، ومحاولات مستمرة لإعادة تشكيل السلطة بعيداً عن الإرادة الشعبية. 

ومن خلال قراءة تحليلية نقدية للإعلان، ورصد دلالاته القانونية والسياسية، ودراسة بنوده التي تثير مخاوف حقيقية بشأن مستقبل العدالة، والمواطنة المتساوية، وحق تقرير المصير، يتضح أن الإعلان يشكل انحرافاً عن مبادئ الدساتير الحديثة، ومحاولة لاحتكار الدولة والهوية لصالح مشروع سلطوي يفتقر إلى الشرعية والتمثيل الحقيقي. 

إن إعلان مرحلة انتقالية مدتها خمس سنوات يُعد خطوة تمهيدية لترسيخ سلطة جديدة تُعيد إنتاج نظام قمعي، مستندةً في توجهها إلى أسس مستمدة من النظام السابق. 

وقد تم تشكيل لجنة لصياغة الإعلان الدستوري، إلا أن تقديم المسودة النهائية خلال عشرة أيام فقط من تشكيل اللجنة يثير شكوكاً جدية حول مصداقية العملية، مما يؤكد أن الوثيقة كانت معدّة سلفاً، وأن تشكيل اللجنة لم يكن سوى إجراء شكلي. 

يتضح من مضمون الإعلان أن الإرادة الشعبية لم تُستعَد كما رُوّج لذلك، بل جرى الالتفاف عليها مجدداً. كما أن الإصرار على تسمية الدولة بـ”الجمهورية العربية السورية” يُعد مخالفة صريحة للمادة العاشرة من الدستور، ويعبّر عن إقصاء ممنهج للتنوع القومي في البلاد، لا سيما تجاه الشعب الكوردي. 

إن التأكيد على وحدة الأراضي السورية كوحدة جغرافية وسياسية غير قابلة للتجزئة – كما ورد في ديباجة الدستور ومواده (1، 7، 9، 32، 33، 41، 42) – يعكس توجهاً مشابهاً لما ورد في الدستور التركي، الذي يركّز على القومية التركية ووحدة الوطن كذريعة لقمع الحركات التحررية. 

ويُستخدم هذا النهج هنا لتقويض أي تطلعات كوردية نحو الاستقلال أو حتى الحكم الذاتي. يُشار أيضاً إلى أن الدستور السوري السابق لم يكن بهذا التشدد، ما يعزز فرضية وجود تأثير مباشر أو غير مباشر من تركيا على صياغة هذا الإعلان، خصوصاً وأن الدولتين تحتلان أجزاء من كوردستان. 

ويمثل الإعلان خرقاً واضحاً لمبدأ فصل السلطات. كما يُعد اشتراط أن يكون دين رئيس الجمهورية الإسلام انتهاكاً صريحاً لمبدأ المساواة المنصوص عليه في المادة (10). 

أما حصر اللغة الرسمية باللغة العربية دون أي اعتراف باللغة الكوردية، فيُعد تجاهلاً لحقوق قومية أساسية لشعب مضطهد. 

وعلى الرغم من تضمين الدستور عبارات مثل “ضمان التنوع الثقافي والحقوق الثقافية واللغوية لجميع السوريين”، فإن هذا الطرح يأتي ضمن شعارات فضفاضة ومكرّرة، مثل “سوريا لكل السوريين”، تهدف إلى التمويه وطمس جوهر القضية الكوردية. 

فهذه القضية لا يمكن اختزالها في بعض الحقوق اللغوية أو الثقافية أو في قناة تلفزيونية، بل تتعلق بحق سياسي وقومي في تقرير المصير. 

كما أن هذه المصطلحات الفضفاضة تفتقر إلى القيمة القانونية، وتهدف إلى تجاوز المرحلة وتمكين السلطة من ترسيخ نفوذها. 

كذلك، كيف يمكن لدولة يقودها مجرمون ملطخة أيديهم بالدماء أن تحظى بثقة المجتمع في مكافحة الفساد أو تحقيق العدالة؟ 

المادة (9) من الإعلان، على سبيل المثال، تنسف اتفاق عبدي – الجولاني، وتُظهر بوضوح نية إقصاء القوات الكوردية، مما يدل على أن الصياغة لم تكن نتيجة خطأ أو سهو، بل جاءت مقصودة وبدلالة دقيقة. 

الإقرار بالحقوق والحريات الواردة في المواثيق الدولية – كما ورد في المادة (12) – يتناقض عملياً مع الانتهاكات المستمرة والإقصاء الممنهج، ما يُفرغ هذه المادة من مضمونها الحقوقي، ويقوّض الضمانات القانونية المزعومة. 

ومن المثير للقلق أيضاً ما يظهر من نزعة نحو تأليه الرئيس، من خلال منحه صلاحيات مطلقة تجاوزت حتى تلك التي كانت ممنوحة في ظل النظام السابق. فبينما كان يمكن نظرياً محاكمة الرئيس في ظل الدستور السابق، فإن هذا الإعلان يحصنه تماماً من أي مساءلة أو رقابة، ما يمهد لحكم استبدادي أكثر شمولية. 

أما المادة (48)، فلم تُلغِ القوانين الاستثنائية المتعلقة بالحزام العربي، أو الإحصاء الاستثنائي، أو نزع الملكية، والتي استهدفت الشعب الكوردي بشكل ممنهج. كما لم تتضمن أي إقرار بمسؤولية الدولة عن هذه السياسات، أو إبطال آثارها، أو تقديم تعويض عن الظلم التاريخي. 

وفي السياق ذاته، اقتصرت المادة (49) حول العدالة الانتقالية على ملاحقة النظام السابق، دون الإشارة إلى الجرائم والانتهاكات التي ارتُكبت من قبل الأطراف الأخرى. وهو ما يُشير إلى توجه انتقائي وعدائي في معالجة قضايا العدالة، ويخالف جوهر العدالة الشاملة. 

يتألف الإعلان الدستوري من 53 مادة، وتُظهر تفاصيله الدقيقة انحيازاً واضحاً وتوجهاً إقصائياً. 

وتبدو بعض ملامحه مستوحاة من دستور 2012، خاصةً فيما يتعلق بمدة الولاية الرئاسية، ما يُرجّح إعادة استخدام المادة 88 و 155 من دستور 2012 لاحقاً لتأمين بقاء الرئيس المؤقت لفترة انتقالية أولى تمتد لخمس سنوات، يعقبها فترتان انتقاليتان متتاليتان لا تُحتسب الفترة الأولى ضمنهما، في التفاف مكشوف على مبدأ التداول السلمي للسلطة. 

وبمقارنة محتوى الإعلان بدستور 2012، يتضح حجم التراجع في المفاهيم الديمقراطية. إذ لم يُذكر مصطلح “الديمقراطية” في النص ولو بشكل شكلي، ما يدل على انتكاسة سياسية حادة، تجعل من دستور النظام السابق رغم عيوبه أكثر قابلية للتعديل أو التطوير من هذا الإعلان. 

كما أصبحت مساءلة رئيس الجمهورية شبه مستحيلة، في ظل غياب نصوص تحدد صلاحياته بدقة أو تسمح بمحاسبته. 

أما المادة (131)، التي نصّت على تطبيق مبدأ اللامركزية الإدارية، فإن التطبيق العملي يُظهر أن السلطة القائمة تُبدي حساسية شديدة تجاه مصطلحات مثل “اللامركزية” أو “الفيدرالية”، ما يهدد أي إمكانية لتحقيق توازن إداري فعلي. 

وبالنظر إلى مجمل المشهد، يبدو أن مستقبل روج آفاي كوردستان يواجه تحديات كبيرة، وقد تتكرر تجربة باشور كوردستان بشكل أكثر قسوة، في ظل ضآلة فرص تحقيق أهداف استراتيجية للإقرار الدستوري. 

ويعود ذلك إلى غياب رؤية قانونية واضحة لدى الأطراف الكردية، وافتقارها إلى آليات فعالة لطرح مطالبها بثقة ووضوح، بعيداً عن الشعارات والمصطلحات الفضفاضة التي لا ترتكز إلى أي قيمة دستورية أو قانونية حقيقية. 

المحامي محي الدين نعمان